مركز الأخبار/ بوطان كرمياني
مرت خمس سنوات على فشل الاستفتاء الذي أعلنه مسعود بارزاني، والذي أطلق عليه اسم “استقلال كردستان”، وأدى إلى خسارة 51 في المئة من المنطقة الجنوبية ودخول جيش الاحتلال التركي عشرات الكيلومترات إلى أراضي جنوب كردستان.
إضافة إلى ذلك، تسبب الاستفتاء في ضرر كبير لاقتصاد كردستان والتغيير الديمغرافي، وعاد الوضع في المناطق خارج إدارة إقليم كردستان إلى ما كان عليه في عهد نظام البعث.
بعد هزيمة مرتزقة داعش في جنوب وغرب كردستان، وصل الكرد إلى أعلى مستوى سياسيا ودبلوماسيا، وفتح العالم أبوابه للكرد، وتم تشكيل أرضية جيدة للكرد في جميع أنحاء كردستان الأربعة لتحقيق حقوقهم وحريتهم.
حتى عام 2017، نجح الكرد في تحرير كركوك وكوباني وشنكال والطبقة ومنبج والعديد من المدن والأحياء الأخرى من مرتزقة داعش وحققوا نجاحا كبيرا، بالإضافة إلى ذلك، تمكنت البيشمركة من الوصول إلى آخر حدود جنوب كردستان، والتي تعرف بالمناطق الكردية خارج إدارة إقليم كردستان أو المناطق المشمولة في المادة 140.
بعد كل هذه الإنجازات، قرر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وإقليم كردستان آنذاك، مسعود بارزاني، من جانب واحد، دون فهم الوضع، إجراء استفتاء يسمى استقلال كردستان، في ذلك الوقت أبدت الأحزاب السياسية في الجنوب، والوحدة الإسلامية، وحزب الكادحين، والحزب الشيوعي، والحزب الاشتراكي، إلى جانب غالبية حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، دعمها لهذا الاستفتاء وبدأت الدعاية للاستفتاء.
ظهرت جبهتان معارضتان، الأولى بقيادة حركة الحرية اختارت مقاطعة الاستفتاء، والجبهة الأخرى باسم حركة “لا تفعل ذلك الآن”.
في 7 حزيران / يونيو 2017، اجتمع ممثلو مختلف الأحزاب والأطراف السياسية في إقليم كردستان بقيادة مسعود بارزاني وقرروا إجراء استفتاء على استقلال كردستان في 25 أيلول 2017.
في وقت قصير، أعلن العراق وإيران وتركيا وسوريا على الفور معارضتهم، ورفض العراق الاستفتاء بشتى الطرق، وهددت إيران وتركيا مع العراق بإغلاق الحدود والمطارات مع إقليم كردستان، كما أجروا تدريبات عسكرية على حدود إقليم كردستان.
وعلى الصعيد العالمي، أعربت أمريكا وأوروبا والصين وروسيا عن معارضتها للاستفتاء، في عام 2018، كشف الرئيس المشترك السابق للاتحاد الوطني الكردستاني شيخ جنكي، في مقابلة مع وكالة ANF، عن موقف الولايات المتحدة من الاستفتاء وقال: “سلطات إقليم كردستان أخفت الموقف عن الناس، التقى بنا مسؤولون أميركيون وأخبرونا أن وحدة أراضي العراق مهمة بالنسبة لنا في هذا الوقت. وقالوا: “إذا لم تُمنح حقوقكم الدستورية ولم يتم حل مشاكلكم في غضون عام، فقوموا بإجراء استفتاء وسندعمكم.”
رفض المسؤولون وصناع القرار في استفتاء إقليم كردستان هذا الاقتراح الأمريكي، وفي 15 أيلول / سبتمبر 2017، أي قبل 10 أيام من موعد الاستفتاء كرر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني إصراره على الاستفتاء وقال: “سنجري استفتاء ولن نعتمد حتى على رأي شخص واحد.”
الاستفتاء قد تم
في 25 أيلول / سبتمبر 2017، أجرى استفتاء في عموم إقليم كردستان، وفي مناطق المادة 140 عدا شنكال، كانت نتيجة الاستفتاء 92.72٪ “نعم” للاستقلال وقال 7.27٪ “لا”.
في ذلك الوقت، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمسعود بارزاني؛ “أين أنت؟ ماذا لديك كيف تبني دولة؟ من وضعك على هذه الثقة؟ إذا فرضنا عليك حظراً، فلن يكون لديك ما تفعله.”
وبعد أربعة أيام من الاستفتاء، بدأ الحصار على إقليم كردستان، وأغلقت المطارات في الإقليم وقلصت الحركة التجارية على البوابات الحدودية، وهددت إيران والعراق وتركيا إقليم كردستان من جميع الجهات.
قبل الاستفتاء، بذلت الحكومة العراقية العديد من الجهود لمنع إجراء الاستفتاء في المادة 140 (المناطق المتنازع عليها أو المناطق الكردية الخاضعة للسيطرة العراقية)، لكن مسؤولي إقليم كردستان أصروا على إجراء استفتاء في تلك المناطق.
وبعد الاستفتاء طلبت حكومة العراق آنذاك من إقليم كردستان سحب البيشمركة من تلك المناطق وتسليمها للجيش العراقي.
هذا ما جعلت هولير متوترة، وبعد عدة اجتماعات ومفاوضات، مُنحت هولير 48 ساعة لسحب قواتها من جميع المناطق بموجب المادة 140، انتهت فترة الـ 48 ساعة في 15 سبتمبر، وطلبت هولير تمديد الوقت للإدارة السياسية الكردية لتقييم الوضع.
في ذلك اليوم، التقى حزبي الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني على مستوى عالٍ في منطقة دوكان في السليمانية، لكنهما لم يتوصلا إلى أي نتيجة، وكشف الرئيس المشترك للاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، في مقابلة في نهاية عام 2020، عن مضمون لقاء دوكان وقال: “كانت لدينا وثيقة بين أيدينا، بحسب تلك الوثيقة، أرادوا من العراق عودة الجيش إلى قاعدة K1 العسكرية في كركوك، ناقشنا هذا الاقتراح في الاجتماع، لكن لم يكن أحد راضياً.”
في ساعات الصباح من يوم 16 تشرين الأول / أكتوبر 2017 هاجم الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي كركوك وخرماتو ودقوق والحويجة، بعد هذه الهجمات انسحبت قوات البيشمركة من المنطقة بأوامر من المسؤولين.
وتراجعت قوات البيشمركة إلى بلدة قارحنجير شمال شرقي كركوك وإلى بلدة طق طق شمال كركوك. وعلى حدود بلدة خورماتو عادت قوات البيشمركة إلى بلدة زينان، وبسبب هذه الهجمات، اضطر آلاف المواطنين الذين يعيشون في مناطق النزاع إلى الهجرة مرة أخرى.
بعد أحداث 16 أكتوبر، انسحبت قوات البيشمركة من جميع هذه المناطق التي تشكل 51 بالمئة من أراضي جنوب كردستان. باستثناء كركوك، كانت هناك ثماني مناطق و 21 بلدة في هذه المنطقة، بالإضافة إلى ذلك سقطت معظم آبار النفط في أيدي الجيش العراقي.
وبعد الاستفتاء أعلن الرئيس التركي أردوغان أن الاستفتاء سيكون لهيباً وسيحرق من أشعله. كما نشرت صحيفة أنقرة أن هذا الاستفتاء سيؤدي إلى اندلاع حرب اقليمية وأن تركيا سترسل 12 ألف جندي إلى شمال العراق (جنوب كردستان).
الآن توغل الجيش التركي المحتل بالتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني أكثر من 40 كيلومترا داخل أراضي جنوب كردستان. كما قام ببناء أكثر من 100 قاعدة عسكرية في الإقليم. وتواصل هجماتها على زاب وأفاشين ومتينا برا وجوا.
كان الاستفتاء السبب الرئيسي وراء قيام الحزب الديمقراطي الكردستاني بصفته القوة الحاكمة لإقليم كردستان بتلبية مطالب الدولتين التركية والعراقية. لا يمكنهم حتى الحديث عن المناطق المحتلة الآن والتي تم تحريرها بدماء الآلاف من البشمركة والكريلا والمقاتلين.
خسارة اقتصادية كبيرة
بعد أحداث 16 تشرين الأول 2017، خسر إقليم كردستان 55 بالمئة من صادراته النفطية. قبل أحداث 16 تشرين الأول، كان 12 بئراً نفطياً تحت سيطرة إقليم كردستان. ولكن بعد ذلك، فقدت آبار النفط في هافانا، وباي حسن، وباباغورغور، وخباس، وجمبور، وإنزال، وبيتم، واستولت عليها الحكومة المركزية، وتستخرج منها 445 ألف برميل نفط في يوم واحد.
بالإضافة إلى فقدان النفط من هذه الآبار، فقدت حكومة الإقليم أيضا الغاز الطبيعي من تلك الآبار حيث كانت شركة دانا غاز تعمل بها.
التغيرات الديمغرافية في إقليم كردستان
بعد أحداث 16 تشرين الأول 2017 وبعدها بقرار محافظ كركوك بالوكالة راكان جبوري، تم إحضار حوالي 600 ألف عائلة عربية إلى محافظة كركوك.
تحدث المراقب السياسي إدريس حاج عادل عن النتيجة السيئة للاستفتاء وتأثيرها على التغيير الديموغرافي في كردستان، وقال: “خلال هذه السنوات الخمس، كما في عهد نظام البعث، بدأت سياسة التعريب وتستمر في المنطقة الواردة في المادة 140.”
بعد الاستفتاء وحتى الآن الأحزاب الكردية عامة تطرح هذه الأسئلة، لماذا أصرت الإدارة السياسية لإقليم كردستان على الاستفتاء رغم كل الضغوط والتهديدات والوعود؟ لقد اعترفوا هم أنفسهم بأن الغرض منه ليس بناء دولة. وقال نيجرفان بارزاني يوم الاستفتاء: “الاستفتاء ليس لترسيم حدود الاستقلال”. والسؤال إذا كان هدف الاستفتاء لم يكن الاستقلال فلماذا تم التضحية بنصف اقليم جنوب كردستان والحالة الكردية والموارد المالية من اجل الاستفتاء؟ قد تصبح الإجابات على هذه الأسئلة أكثر وضوحاً في المستقبل.
