انتصر أوجلان فكراً ومنهجاً ــــ جواد كاظم البيضاني

مركز الأخبار

كتب مدير المعهد العراقي للدراسات الكردية في بغداد، الدكتور جواد كاظم البيضاني، في مقاله لوكالة Rojnews، عن المؤامرة الدولية التي استهدفت قائد الشعب الكردي عبد الله اوجلان، وذلك في الذكرى الـ 24 لمرور المؤامرة الدولية.

وتطرق الدكتور جواد كاظم البيضاني خلال المقال إلى منهج وفكر القائد عبد الله أوجلان، حيث قال أن “فكر أوجلان يهدف إلى إيجاد حلول منطقية للمشكلات التي تحيط بالمنطقة، ومعالجة الحيف الذي وقع على شعوبها بفعل الهيمنة الدكتاتورية التي عاشتها منطقتنا، ويدعوا الى العيش المشترك وأخوة الشعوب، والقضاء على الإستبداد، والمركزية في الحكم من خلال إعتماد نظام فيدرالي غير إقصائي يعيش الجميع في كنفه بأمن واستقرار”.

إليكم نص المقال:

“لا شك أن خفايا وأسرار عملية اعتقال المفكر الكردي عبد الله أوجلان رسمت في منحى السياسة خفايا والغاز من الصعب هضمها وفهم اهدافها التي حيكت بشكل يعطينا اليقين المطلق بمكانة هذا المفكر الاممي، وخطورته على القوى التي تحاول الهيمنة على العالم، تفضح شعارات ما كان لها ان تزيف بهذا الشكل الفاضح.

ولعرض هذه المؤامرة لا بد من بيان الأسلوب المعتمد من أداة التنفيذ في اعتقال أوجلان:” قالت تركيا: “إن وحدات من الكومندوز تمكنت من اعتقال عبد الله أوجلان”، وقع ذلك الحدث في 15 شباط 1999.  لن تتحدث تركيا عن تفاصيل العملية، فكثير من الأقلام والتقارير تطرقت إلى هذه الواقعة بشكل تقليدي دون الخوض بتفاصيل العملية، وكل ما كانت تقوله الشبكات الخبرية اعطاء التبرير لهذا الحدث، فضلاً عن التمجيد بقدرات الأتراك وقواتهم الخاصة.

والحق أن هذا الاستهداف يحمل معان تقرا بالمفهوم التركي قراءة مختلفة عما يراه الباحث المنصف، فالعملية كانت ذات بعد دولي، وغطيت تفاصيلها بشكل كبير جداً، وأخفيت معالمها وطرائق تنفيذها، وعرضت لنا المحطات الخبرية المبررات التي تتوافق مع الاستراتيجيات المعلنة.

أعتقد أنه مازال وراء عملية اعتقال أوجلان مؤثرات هامة تحول دون نشرها الجهات الدولية التي اشتركت باعتقاله، فما هي المبررات التي دفعت إسرائيل ومنظوماتها الاستخبارية للتفاعل بهذا الشكل وملاحقة أوجلان؟  وهل يشفع للعالم المتحضر تبريراته غير المنطقية لمثل هذه العملية؟ 

لقد أعطت التناقضات في التصريحات مؤشراً في الأسلوب المتّبع بهذه العملية، فلم تنفرد تركيا بالاعتقال، بل هناك قوى إقليمية ودولية هي التي استهدفته بشكل رئيس، نعم … كان أوجلان حذراً جدا وتعاطا مع الاحداث بواقعية وحذر. فلم تفلح تركيا بكل ثقلها على استدراجه، وحتى الموساد لم ولن يستطيع أن يفك أسلوب التخفي الدقيق الذي اعتمده، إلا من خلال مكملات رئيسية لخططه مع مجموعة من المتعاونين لتنفيذ عمليتهم، وإذا كانت تركيا لم تنجح دون الاستعانة بقوى أخرى في العالم فما هي الدوافع وراء دعم هذه الدول لتركيا؟ هل كان أوجلان يشكل خطراً على الاستقرار الدولي مثلاً؟

من غير ادنا شك فان فكر عبد الله أوجلان يهدف إلى إيجاد حلول منطقية للمشكلات التي تحيط بالمنطقة، ومعالجة الحيف الذي وقع على شعوبها بفعل الهيمنة الدكتاتورية التي عاشتها منطقتنا، ويدعوا الى العيش المشترك وأخوة الشعوب، والقضاء على الاستبداد، والمركزية في الحكم من خلال اعتماد نظام فيدرالي غير اقصائي يعيش الجميع في كنفه بأمن واستقرار.

هذا التوجه يخالف في محتواه وأهدافه قوى الظلام، فوصف بالانفصالي ونعت بالإرهابي في نظر تلك الإمبراطوريات والديكتاتوريات الفاشية ومنها الدولة التركية، لان هذه الروية شكلت خطراً كبيراً على الدولة الاستبدادية التي تتخذ من القهر الاستعلائي والظلم المجتمعي وكبت الحريات أسلوباً لها. فهل يسمحوا لمندلي جديد او هوشمين اخر؟

إن قضية عبد الله أوجلان تجاوزت الإطار الضيق لتتعداها إلى أفق أوسع، فهي ليس قضية حزب العمال ولا قضية الكرد في شمال كردستان (كردستان تركيا) بل هي قضية إنسانية لا يمكن التغاضي عنها، أو إدراجها في مجهولات الإعلام، فهذا المناضل والمفكر خط طريقه الشائك وفق رؤية تختلف عن الأنماط الكلاسيكية التي سار عليها المناضلون في الحقب الزمنية التي سبقته، حيث جمع بين الإنسانية والنضال، وبين القومية والأممية، وامتلك الإيثار والحرص.

أن هدف أوجلان الأسمى يتمثل بوقف الظلم ومحاربته، ولأنه مؤمن أن المناضل لن يتخل عن إنسانيته، فهو مناضل لأنه إنسان، وهكذا وجد نفسه فحمل الإنسانية عمقاً، وناضل من أجل البسطاء، ليس لأبناء قومه بل لكل شعوب الشرق الأوسط، لأنه يعرف جيداً أن هذا الشرق هو نسيج اثني معقد، وهذا التعقيد يدفع المناضل للتفكير بالآخرين وصياغة القاعدة التي تجمع هذه الإثنيات، وأن يكون الجميع شركاء توحدهم مفاهيم الإنسانية وقيمها العليا، فالإيثار يجب أن يتوافق مع مدلولات الحرص على الهوية الوطنية.

إن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء أن هناك ألف أوجلان تربوا على منهجه وهم يسيرون على خطاه، فإن سجنوه جسداً لم يستطيعوا تقييده فكراً فانتصر أوجلان. وحريٌ بالعالم المتحضر أن يعيد قراءته وأن يبعد هذا المناضل عن الحيف الذي وقع عليه”.