تعرف على رائدة حركة النسوية و أول وزيرة في تاريخ العراق الحديث

بغداد

الطبيبة نزيهة الدليمي إحدى أبرز رائدات الحركة النسوية في العراق، وتعد أول امرأة تتسلم منصب وزير في تاريخ العراق الحديث، ولها مساهمات كبيرة في مجال الطب وحقوق المرأة والسياسة وغيرها على مدار أكثر من نصف قرن.

المولد والنشأة

ولدت نزيهة جودت الدليمي في محلة البارودية بالعاصمة بغداد عام 1923، وهي الابنة البكر لعائلة مكونة من أختين و4 إخوة، ونشأت نشأة عادية، إذ كان والدها يعمل بوظيفة بسيطة في إدارة المياه ببغداد.

حرص والدها على تنمية الاهتمامات الثقافية لديها ولدى إخوتها، فكان يقرأ لهم الكتب التاريخية والاجتماعية والصحف اليومية كل مساء، فتطورت لديها القدرة على المناقشة والتساؤل والتفكير العميق.

الدراسة والتكوين العلمي

بدأت دراستها الابتدائية والمتوسطة في مدرسة تطبيقات دار المعلمات النموذجية، ثم انتقلت عام 1939 إلى الثانوية المركزية للبنات وتأثرت بالعلوم التي تلقتها وحاولت ربطها بما تشهده البلاد من معاناة وأوضاع صعبة.

أكملت الثانوية بتفوق ودخلت كلية الطب عام 1941 وبعد تخرجها عملت في المستشفى الملكي ببغداد لقضاء فترة الإقامة، ثم انتقلت إلى مستشفى الكرخ، وبعدها تنقلت بين محافظات السليمانية وكربلاء والموصل والأهوار ومدينة عنة غرب الأنبار، حيث اختيرت ضمن بعثة حول مشروع تقصّ عن مرض البجل الذي تفشى آنذاك بين سكان المناطق القريبة من المياه.

النشاط السياسي

بعد دخولها كلية الطب تأثرت بأفكار بعض زملائها التي تناغمت مع ميولها وتوجهاتها، ثم دعتها إحدى صديقاتها للتعرف على نشاط “الجمعية النسوية لمكافحة الفاشية والنازية”، فحرصت على الحضور والمشاركة في نشاطات الجمعية والندوات والمحاضرات.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تغيّر اسم الجمعية إلى “رابطة نساء العراق”، وأصبحت الدليمي عضو الهيئة الإدارية للجمعية، التي كانت تصدر مجلة باسم “تحرير المرأة” قبل أن تقرر حكومة نوري السعيد إغلاق الجمعية ومجلتها.

وبعد إغلاق الجمعية النسوية قررت الانتماء إلى حزب التحرر الوطني، لكن هذا الحزب لم يحصل على ترخيص رسمي، فانتمت إلى الحزب الشيوعي العراقي وكانت من أبرز الناشطات فيه.

وتعرضت نزيهة الدليمي للكثير من المضايقات في عملها المهني بالمجال الطبي بسبب نشاطها السياسي المعارض للسلطة آنذاك.

مناصرة المرأة

الصورة

أدى عملها في مجال الطب وتنقلها بين مدن العراق وقراه، إلى احتكاكها أكثر بالسكان والتعرف على أحوالهم، بالإضافة إلى تشكيل تصوّر عن أوضاع المرأة ومعاناتها.

وبعد انتهاء جولتها للتقصي عن مرض البجل أعدّت وثيقة خاصة عن أوضاع المرأة تحت اسم “المرأة العراقية”، ثم بدأت التفكير بإعادة نشاط “رابطة النساء العراقيات”، ونجحت في تجميع نحو 30 امرأة من خريجات الكليات وغيرهن، وبعد عام من الإعداد تقدمت بطلب تأسيس “جمعية تحرير المرأة”؛ لكن الحكومة رفضت.

ثم قررت الدليمي مع زميلاتها مواصلة العمل بشكل سري، وأصبح اسمها “رابطة الدفاع عن حقوق المرأة العراقية”، حتى الإعلان عن تأسيسها عام 1952، وفي المؤتمر الثاني عام 1960 أصبح اسمها “رابطة المرأة العراقية”، وتطورت حتى باتت تضم أكثر من 40 ألف عضو ونجحت في تقديم خدمات كبيرة لشريحة النساء العراقيات.

وحضرت الدليمي عددا من المؤتمرات النسائية في مختلف الدول، كما نجحت في إيصال صوت المرأة العراقية والعربية في أرجاء العالم.

أول وزيرة

شغلت نزيهة الدليمي منصب وزيرة البلديات في حكومة عبد الكريم قاسم عام 1959، لتبدأ مرحلة جديدة من مسيرتها النضالية. وجاء اختيارها ضمن التشكيلة الوزارية لدورها الفعال في حركة السلم والحركة الوطنية والحركة النسائية التي كانت نشطة في خمسينيات القرن الماضي أواخر العهد الملكي.

وأسهمت من خلال منصبها في تأسيس رابطة المرأة العراقية، ليتحقق أحد أهدافها في مجال حقوق المرأة وتوعيتها.

كما كان لها دور كبير في صياغة وإصدار قانون الأحوال الشخصية لعام 1959، والذي يعد آنذاك أحد أكثر القوانين تقدما في المنطقة من حيث حقوق المرأة.

لكن وزارة الدليمي لم تدم طويلا إذ دبّ الخلاف بين عبد الكريم قاسم والشيوعيين فأصبحت وزيرة بلا حقيبة.

وخلال زيارة لها إلى موسكو حصل الانقلاب على عبد الكريم قاسم وقُتل في فبراير/شباط 1963، ثم أصدرت محكمة الثورة في الرابع من أبريل/نيسان 1964 حُكما بإعدامها، قبل أن يخفف إلى المؤبد مع الأشغال الشاقة، فاضطرت للانتقال من موسكو إلى براغ وساهمت في تشكيل حركة الدفاع عن الشعب العراقي مع الشاعر محمد مهدي الجواهري وآخرين، ثم صدر قرار بالعفو عنها لاحقا وسمح لها بالعودة إلى العراق.

وبعد عودتها إلى العراق عام 1968 عادت للعمل مع الحزب الشيوعي بشكل سري ثم غادرت البلاد إلى ألمانيا عام 1979 وقررت الإقامة فيها.

وفاتها

داهمتها وعكة صحية شديدة بحلول مارس/آذار 2002 وتركتها طريحة الفراش مصابة بالشلل، وبعد معاناة مع المرض لسنوات، توفيت في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2007 بالعاصمة الألمانية برلين عن عمر ناهز 84 عاما.

وفي عام 2009 قررت الحكومة العراقية إقامة تمثال لها في العاصمة بغداد تثمينا لجهودها الكبيرة، وأصبحت أول امرأة يقام لها هذا النُصب في البلاد.