المشروع الإيراني في سوريا والعراق.. من المستفيد وماهي العوائق؟

بغداد

على مدى سنوات لم ينقطع ذكر مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا على لسان المسؤولين في طهران، ورغم الدفع الكبير باتجاه البدء بمحطاته من جانب الإيرانيين، إلا أن هذا “الحلم” كما يراه مراقبون ما يزال “منشودا على الورق ورهن التخطيط”، فيما تسود الكثير من التكهنات عن إمكانية تنفيذه على أرض الواقع، والأهداف التي تقف وراءه.

وقبل أيام زار وفدٌ إيراني كبير برئاسة وزير الطرق والبناء الإيراني، مهرداد بازارباش العاصمة دمشق، وأعلن في ختام لقاءات مكوكية انضم إليها رئيس حكومة دمشق، بشار الأسد عن ضرورة تفعيل خطوات هذا المشروع، بالإضافة إلى عناوين لاتفاقيات كثيرة، حاول الإيرانيون خلال السنوات الماضية المضي بعملية تنفيذها، لأنها بقيت “على الورق” أيضا.

وكان الوفد الإيراني هو الأكبر من نوعه قياسا بالوفود الأخرى، حسب ما ذكرت وسائل إعلام إيرانية، الخميس الماضي، وجاء وصوله إلى العاصمة السورية في توقيت لافت، أعقب تسليم الأسد أوراق اعتماد حسين أكبري سفيرا مفوضا وفوق العادة لإيران في سوريا، وفي وقت تعمل دول عربية على فتح أبوابها أمام النظام السوري، والموصدة منذ أكثر من عقد.

ولإيران نفوذ كبير في العراق وكذلك الأمر في سوريا، ورغم أن بوابته الأولى كان ذات نفس عسكري، إلا أنه سرعان ما تطور إلى الشق السياسي والاقتصادي، بينما باتت طهران تعول على الأخير خلال الفترة الماضية، وهو ما أكدته زيارات مسؤوليها إلى كلا الدولتين، لذات الغرض.

وتحدث مراقبون مختصون بالشأن الإيراني والعراقي والسوري أن مشروع الربط السككي وإعادة طرحه من جانب طهران ليس بجديد، بل يعود إلى سنوات طويلة مضت، ومع ذلك أوضحوا أن الأهداف التي تقف وراءه “تسير باتجاه واحد”، بمعنى أنه يعود بالفائدة على نحو أكبر للجانب الإيراني.

وفي حين تتماهى الرواية السورية مع ما تطالب به طهران بخصوص هذا المشروع والبدء بتنفيذه على أرض الواقع، لطالما أثير الحديث عن الكثير من الحواجز التي تعترضه في الساحة العراقية، لاعتبارات تتعلق بنتائجه السلبية على البلد مستقبلا، وأسباب أخرى ترتبط باللاعبين الآخرين هناك ومواقفهم، على رأسهم الولايات المتحدة الأميركية.

“مساران وهدف وحيد”

ويصل خط السكك الحديدية بين خطوط مدينة الشلامجة الإيرانية في محافظة خوزستان وخطوط السكك الحديدية العراقية في مدنية البصرة بطول 32 كيلومترا، حسب ما يشرح الباحث في الشؤون الإيرانية، الدكتور محمود البازي.

ومن ثم هناك مساران لهذه الخطوط إما عبر الحدود السورية منطقة التنف أو عبر الحدود السورية من خلال مدينة البوكمال.

ويوضح البازي: “إذا تم اختيار التنف، فالمسار سيذهب نحو دمشق، وإذا تم اختيار البوكمال فالمسار سوف يذهب باتجاه حمص ومن ثم ميناء طرطوس”.

وتفضّل إيران مسار البوكمال، لأن “الهدف الأصلي هو الوصول إلى البحر المتوسط، وتفادي مسير التنف الذي تتواجد فيه القواعد الأميركية”.

ويقول الباحث إن “الخطوط الحديدية هي محلية وموجودة بالفعل، مع وجود استثناء واحد فقط هو الربط بين الشلامجة والبصرة والذي بقي على الورق لأكثر من 20 عاما”.

وبمعنى آخر يعتبر المشروع السككي أقدم مما تتناقله التقارير الإعلامية بأنه يعود إلى عام 2016، بل يمتد لأكثر من 20 عاما، وفق البازي.

وقبل وزير الطرق والبناء الإيراني الحالي، بازارباش كثيرا ما حاول سلفه الذي توفي قبل أشهر رستم قاسمي التأكيد على ضرورة تنفيذه المشروع السككي، سواء في زياراته إلى العراق أو سوريا، حيث كان يلتقي بشار الأسد.

علاوة على ذلك، ورغم أن طهران تولي أهمية كبيرة لمشاريعها الاقتصادية في سوريا والبلد المجاور، إلا أن مسار الطرق وإعادة بناء المدن يحظى بخاصية استثنائية، وهو ما تترجم مؤخرا من زيارات الوفود التي كان يرأسها ويقودها في الأساس وزير الطرق والبناء.

وعلى هامش لقاءاته قبل يومين وبعد لقائه الأسد أوضح الوزير الإيراني بازار باش أن “الأولوية القادمة ستكون في مجال ممرات النقل وتطوير خطوط السكك الحديدية”.

وأضاف: “في مجال السياحة (الحج والسياحة) سيتم إعداد 3 إلى 4 رحلات أسبوعيا بطاقة 50 ألف مسافر سنويا”.

وأشار بازارباش إلى أنه تقرر إعادة إنشاء ممر سكة حديد الركاب بين الدول الثلاث إيران والعراق وسوريا والذي أقيم في الماضي، كما أن سكة حديد الشلامجة – البصرة على جدول الأعمال مع الجانب العراقي.

ويرى الباحث السوري في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، محمد العبد الله أن مشروع الربط السككي “يخضع لعلاقة إيران بالفاعلين الإقليميين والدوليين ومدى منحهم الضوء الأخضر لتنفيذه”.

ويقول العبد الله إن إعادة طرحه على الطاولة الآن “ربما يرتبط بما شهدته الفترة الأخيرة من تقارب سعودي – إيراني”، وربما “وجدت طهران نفسها قادرة على دفع بعض تنفيذ الاتفاقيات مع النظام وتجسديها على أرض الواقع”.

بالإضافة إلى ذلك “ربما هناك أيضا توافق أميركي روسي للسماح بهذه الخطوة، إذ ينظر لها كمتنفس اقتصادي للنظام السوري من خلال تنشيط الحركة الاقتصادية عبر الخط”، حسب الباحث السوري.

ويضيف: “في السابق كانت هناك اتهامات من النظام السوري بأن التنف معطلة لتنفيذ الخط على مدى الأعوام الماضية. الآن ربما تغيرت بعض المعطيات، وبالتالي وجدت إيران قدرة على الدفع ولو بشكل أولي لتنفيذ المشروع”.

ماذا عن العراق؟

وفي مطلع نيسان/أبريل الحالي أعلن وزير النقل العراقي، رزاق محيبس السعداوي، عن عقد اتفاق مع الجانب الإيراني على تنفيذ سكة الحديد، لنقل المسافرين بين الشلامجة والبصرة.

وذكر بيان للوزارة، حينها، أن السعداوي أجرى زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، والتقى بنظيره بازارباش، وناقشها عدة مواضيع، على رأسها الاتفاق الخاص بالربط السككي، والذي يتضمن البدء بعمليات إزالة الالغام المزروعة منذ حرب الثمان سنوات بين البلدين، في المناطق الحدودية، وبعد شهر رمضان.

ويشتمل الاتفاق أيضا على مشروع إنشاء جسر متحرك على شط العرب، على أن يجري إنجازه خلال عام ونصف العام، بينما استعرضت اجتماعات الجانبين الدراسات والتصاميم الخاصة بتنفيذ الخط، كما جرى استعراض الاستثمارات اللازمة للمشروع.

ويرى الباحث محمود البازي أن “السبب في تعطل المشروع خلال السنوات الماضية هو تجاهل العراق له لمرات عديدة”، إذ كان هناك “مقترحات لتقاسم التكلفة بين بغداد وطهران، ولكن لا شيء تم على الأرض”.

و”لا يعتبر إعادة ملف المشروع إلى الطاولة مرة أخرى شيئا جديدا”، كون “الحديث عنه تتم الإشارة إليه في كل عام”.

وفي غضون ذلك، لا يعتقد البازي أن “البلدان الثلاثة قادرين على المضي قدما في تفعيل الخط على المدى المنظور بسبب الضغط الأمريكي على   العراق”، حيث يشير إلى أن “الولايات المتحدة الأميركية تدرك تماما بأنّ تفعيل هذا الخط يعني عائدات اقتصادية هائلة لإيران”.

ويعود الباحث السياسي العراقي، هيثم الهيتي بالذاكرة إلى عام 2003، ويشرح أن أحد وزراء النقل العراقيين أخبره حينها عندما كان في المنصب أنه التقى بالسفير الإيراني وأن “الأخير نصحه بالتوقيع على اتفاق الربط السككي”.

لكن الوزير العراقي “المعروف بنزاهته” ولم يذكر اسمه الهيتي كون المعلومات التي حصل عليها كانت خارج نطاق التصريح الصحفي رفض التوقيع على الاتفاق، ليحذره السفير الإيراني بأن “عدم التوقيع يعني خسارته لمنصبه في الحقيبة الوزارية القادمة”.

وذلك ما حصل في ذلك الوقت، إذ أصر وزير النقل العراقي على الرفض، وفق ما يقول الهيتي”، مضيفا: “لأن اتفاق الربط السككي ليس بمصلحة العراق الاستراتيجية”.

ويوضح الباحث السياسي العراقي أن “الربط السككي هو مشروع اندماج سياسي واجتماعي وعسكري وأمني، وبالتالي لديه أبعاد أخرى غير النقل”.

“إيران اليوم لديها إيديولوجيا مؤثرة ومعممة في سوريا والعراق، ولديها سلاح ونفوذ وامتداد عسكري، فيما تبدو عاجزة عن الاتصال بهذه الدول، والنقل ما يزال صعبا عليها”.

ولذلك يضيف الهيتي أن “الربط السلككي يعتبر أرخص السبل وأسهلها وأكبرها حجما وأكثرها قدرة، ويوفر لطهران اتصال من جانب واحد”.

ويعني ما سبق أن “طهران ستضح البضائع الرديئة من خلال المشروع في دول هامشية وضعيفة صناعيا، بسبب نخب سياسية سيئة وغير قادرة على إنجاح مشاريع في دولها، وهمشت المؤسسة العسكرية والصناعية والزراعية”.

ماذا تريد إيران؟

وسبق وأن أوضح المدير العام لشركة السكك الحديد الإيرانية، سعيد رسولي أن مشروع السكك سيربط الجانب الإيراني من الخليج بميناء اللاذقية السوري عبر خطوط حديدية في البصرة العراقية، واصفا إياه بأنه مشروع استراتيجي و”الأهم من بقية خطوط النقل البرية”.

وحول مشروع خطوط “الشلامجة – البصرة”، قال رسولي في يوليو تموز 2019 إن بلاده والعراق وقعا على مذكرة تفاهم لإنشاء خطوط حديدية خلال الأشهر المقبلة بطول 32 كيلومترا بتمويل من مؤسسة “مستضعفان” الإيرانية.

ويرى الباحث السياسي العراقي الهيتي أن “إيران ستستفيد من الربط السككي من خلال ضخ ملايين البضائع لهذه الدول. بمعنى جانب اقتصادي لحديقة خلفية تشمل سوريا والعراق”.

كما أنه “مشروع اقتصادي لإيران، من خلال وصل ميناء الخميني باللاذقية، وبالتالي ستكون مطلة على المتوسط وأوروبا”.

ويضيف الهيتي: “الخط أيضا يعزز موقع إيران الجغرافي في مشروع طريق الحرير الصيني، وبالتالي ستكون طهران اللاعب الأساسي في الشرق الأوسط، فيما ستتمكن من تهميش الدور السوري والعراقي وتبتلعه من خلال السكك”.

ويوضح الباحث السوري العبد الله أن “مشروع السكك مهم جدا لإيران، كونه سيكون بوابتها على المتوسط”.

ومع ذلك هناك أهداف أخرى عسكرية، إذ يقول الباحث إنه “وفي حال تمكنت إيران من إنجازه سيغدو داعما رئيسيا لميليشياتها في سوريا، ولاستخدامه في عمليات التهريب وتمويه عمليات تصنيع ونقل الأسلحة. أي تعزيز بنيتها العسكرية هناك”.

في المقابل وعلى مدى السنوات الماضية كانت هناك معضلة كبيرة لنقل البضائع الإيرانية إلى سوريا، سواء جوا أو عبر البحر، ولذلك سيمّكن مشروع الربط السككي طهران في عملية “نقل سلعها لكي تغزو الأسواق السورية”.

“هذا الغزو السلعي ربما يتكئ على نفوذ الميليشيات في المدن الكبرى في دمشق وحلب ودير الزور”، فيما يضيف العبد الله أن “الربط سيخفض أيضا تكاليف نقل البضائع والسلع من طهران للمتوسط، وربما سيستخدم لزيادة الصادرات الإيرانية وتعزيز النفوذ الاقتصادي الإيراني في الأسواق السورية”.

من جانبه يرى الباحث في الشؤون الإيرانية محمود البازي أن “أهم أهداف المشروع السككي هو ربط إيران بموانئ سوريا على البحر المتوسط ومن ثم العمل على الوصول إلى أوربا عبر هذه الموانئ”.

كما تهدف إيران إلى “نقل الزوار الإيرانين عبر السكك الحديدية إلى العراق، مع وصل هذا المسار بالدول العربية الأخرى كالأردن ولبنان، وتعزيز التجارة ونقل البضائع بين إيران والعراق وسوريا واعتماده لنقل البضائع”.

ويتخلف البازي من زاوية عسكرية، إذ يرى أن “طهران لن تخاطر في الخط السككي لنقل الأسلحة، لأن إسرائيل سوف تستهدفه بشكل مباشر”.

ويقول إن “إيران لديها وسائلها وطرقها الخاصة لنقل الأسلحة ولن تغامر بهذا الطريق الحيوي أبدا”.

من سيمول الربط؟

وحتى الآن ورغم التأكيد الإيراني على مشروع الربط السككي مع العراق وسوريا، إلا أن طريقة التمويل تبدو غامضة، وما إذا كانت تكلفته ستكون من جيب طهران فقط أن ستتقاسمها مع بغداد ودمشق.

ويوضح الباحث البازي أن “التمويل ليس بالمبلغ الكبير، لأن المسار المعطل والمهم حاليا هو الشلامجة-البصرة وتبلغ تكلفة بنائه أقل من 250 مليون دولار”.

وتحاول إيران في الوقت الحالي “تنفيذ الجزء الخاص بالأراضي العراقية أولا ثم الانتقال إلى تنفيذه داخل سوريا”.

ويقول الباحث السوري العبد الله من زاوية تقنية إن “إيران تمتلك الشركات للشروع بمثل هذه المشاريع، لكن يبق المعوق الأساسي هو كيفية التمويل”.

وهناك بعض الطروحات الإيرانية السابقة التي تشير إلى “إمكانية طرح سندات مالية ومشاركة الناس والعامة به”. ومع ذلك يعتقد الباحث السوري أن “الأمر أكبر من ذلك، لأن الناس سيحجمون عن ذلك في دول ما تزال غير آمنة ومستقرة، وبالتالي لن يقبلوا على شراء السندات”.

وهناك طروحات أخرى بأن “تقوم الشركات مثل البنيان المستضعفين التابعة للحرس الثوري الإيراني بالقيام بالتنفيذ بشكل كامل وتمويله”. ويعتقد العبد الله أن “هذا الخيار كبير وهو المتاح”، كون الشركة لها نفوذ أمني وميليشيات على طول الخط.

علاوة على ذلك توجد خيارات إضافية مثل أن “يرتبط تنفيذ الخط في سوريا بخط ائتماني جديد للنظام السوري، كما جرت العادة في السنوات الماضية”.

ويعتقد العبد الله أن “نظام الأسد لن يمانع لمثل هذه الخطوة، كون المشروع سيخدمه اقتصاديا ويدعمه كترويج إعلامي بين مناصريه، بأن الربط السككي سيخدم الناس والوضع الاقتصادي، من خلال التبادل التجاري والسلعي”.

من جانب آخر يرى الباحث السياسي العراقي مشروع الربط بـأنه “استباقي لإمكانية بناء مشروع الشام الجديد أو الهلال الخصيب بين العراق وسوريا”.

“هناك آمال للشعوب في المنطقة بأن تنتج مشروعا، كون سوريا والعراق امتداد لبلاد الرافدين وهناك تقارب اجتماعي وثقافي والبعض يحتاج للآخر رغم وجود الإشكالات”، بينما تريد إيران أن “تستبق الفرصة لكي تسيطر على المنطقة”.

“إيران تفكر بمستقبل 100 عام من الآن، وبالتالي تريد تهميش وابتلاع الدولتين، والنقل سيكون الوسيلة الأساسية لقمع أي قوة قادرة على التأثير في المستقبل”.

ويضيف الهيتي: “ستستخدم الشعار الديني في إرسال ما يسمى بالزائرين والحجاج لكنها في الحقيقة ستضخ كميات من البشر للمناطق السورية والعراقية، وتجعلهم أمام عبء أمني واقتصادي وديمغرافي ومستقبلي ووجودي”.

واعتبر الباحث العراقي أن “أميركا تلكأت كثيرا في سياستها لمواجهة إيران، وعليها أن تنتبه على هذه المشاريع وأن العسكرة لن تكون قادرة على إيقافها”، ولذلك “يجب دعم قوى سياسية على الأرض، كأفضل الطرق لوقف المد الذي وصل إلى مرحلة متنامية جدا”.

من جانبه يوضح الباحث السوري العبد الله أن “الوجود الإيراني في سوريا الآن بدأ يرتبط ربما بالمزاج الدولي، وخاصة من ناحية تثبيت مناطق النفوذ التي قد تمتد لسنوات”.

وما سبق “سيشجع إيران على تنفيذ المشاريع الاستراتيجية، ومن ضمنها خط السكك الحديدية، من أجل دعم نفوذها مستقبلا”، وفق ذات المتحدث.

المصدر وكالات