بغداد
لجئ المواطن (ع.ك) في محافظة النجف جنوبي العراق إلى قتل ولده البالغ من العمر 16 عاماً بسبب تعاطي المخدرات من نوع “الكريستال”، حيث قام الفتى بسرقة المصوغات الذهبية لوالدته من أجل شراء الكريستال.
يروي (ع.ك) لوكالة “روج نيوز” معاناته مع ولده الذي تعاطى “الكريستال” من عمر 15 عام حيث تعرض أبنه “فضل” لمرافقة أصدقاء السوء في المقاهي الشعبية في حي الميلاد بمحافظة النجف حيث تعرض لتعاطي المخدرات عن طريق “الأركيلة” ومن بعدها بدأ التعاطي بشكل مستمر.
وعن أسباب قتله لولده قال (ع.ك) إن “اصطحب ولده لمكان بعيد عن المدينة وقام بإطلاق رصاصة من مسدسه الشخصية كون ولده قام بسرقة المبالغ النقدية من بعض اصدقائه لشراء الكريستال حتى وصل مرحلة خطيرة لا يستطيع معه العلاج، إضافة إلى أنه قام بإصابة أحد اصدقائه بجروح بالغة نتيجة ضربه بالسلاح الأبيض”.
تواصل المخدرات انتشارها المخيف في العراق مع الزيادة المطردة في عدد السكان وارتفاع نسب البطالة والفقر حتى وصلت الحالة لعدم وجود حل جذري يمنع تجار المخدرات من مواصلة عملهم في التهريب فحسب بل توسعوا فيها بإضافة انواع أُخرى من المخدرات وتوسعت قاعدة المدمنين وانظمت فئات جديدة مع ازدياد عدد السكان وهذه القضية مرت بمراحل عديدة.
وتشكل فئة الشباب الضحية الأولى للوقوع في فخ الإدمان المدمر، في بلد يشكل فيه من دون الخامسة والعشرين من العمر 60 في المئة من إجمالي السكان البالغ 41 مليون نسمة وفق أخر الإحصائيات المعلنة من وزارة التخطيط العراقية.
وفي مؤشر شديد الخطورة، كان مجلس القضاء الأعلى في العراق قد أعلن، نهاية العام الماضي، أن “نسبة الإدمان على المخدرات قد تصل إلى 50 في المئة وسط فئة الشباب، كما أن النسبة الأكبر للتعاطي تصل إلى 70 في المئة، في المناطق والأحياء الفقيرة التي تكثر فيها البطالة.
وينص قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية في العراق، رقم 50 الصادر في العام 2017، على عقوبات صارمة تصل لدرجة الإعدام كما في المادة 27 منه، وللسجن المؤبد كما في المادة 28 من القانون.
وكان العراق حتى عام 2003، بشكل عام بمنأى لحد كبير عن ظاهرة إدمان المخدرات والاتجار بها، بفعل القوانين العقابية الصارمة والرادعة، التي كانت معتمدة ضد المتعاطين والمتاجرين بها، والتي كانت تصل لعقوبة الإعدام.
وكان العراق، مجرد نقطة عبور هامشي في مسارات تجارة المخدرات الدولية، إلا أنها تحولت طيلة عقد ونيف إلى ساحة شبه مفتوحة لتعاطي المواد المخدرة والمتاجرة بها.
وأكثر أنواع المواد المخدرة تعاطيا في العراق، هي الكريستال الأبيض والحشيشة وحبوب “الكبتاغون”، ومعظمها تدخل إلى البلاد عبر الحدود الطويلة مع إيران، التي تمتد لأكثر من 1500 كيلومتر.
أرقام مهولة

تحدثنا عضو مفوضية حقوق الإنسان السابقة فاتن الحلفي عن “الأعداد المعلنة التي احصتها حول المتعاطين والمتاجرين للمخدرات الذين تم اعتقالهم خلال العام الماضي بلغت 14 ألف شخص بين متعاط ومتاجر، بينهم 500 من النساء والأحداث، حيث تقوم عصابات الاتجار باستغلالهم لغرض الترويج والنقل”.
وتضيف في تصريح لوكالة “روج نيوز”: أن “المخدرات تنتشر أكثر في المناطق الفقيرة والمدن التي تعاني نسب بطالة عالية، حيث تصل نسبة التعاطي بين الشباب في المناطق الأكثر فقرا إلى 70 في المائة”.
الحلفي أرجعت تفاقم انتشار المخدرات إلى غياب الحلول التي تعالج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقلة الوعي، وكذلك إلى عدم وجود تقنيات حديثة للكشف عن المخدرات في المناطق الحدودية، وتورط جهات سياسية ومجاميع مسلحة، وغياب مراكز التأهيل في العراق.
عضو المفوضية السابقة تطالب الدولة العراقية بتخفيف العقوبات عن المتعاطين في ظل تفاقم الأزمات مع عدم وجود حلول سريعة، وتوفير مراكز التأهيل والعلاج للمتعاطين، مع وضع برنامج حقيقي لمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الوعي في المدراس والجامعات والمنصات الدينية والثقافية والفنية.
كما حثت على تشديد العقوبة على المتاجرين بالمخدرات وتطوير الإمكانات للكشف المبكر وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب مع السعي لتعاون دولي في الملف، والسعي لكشف الشبكات الداخلية والجهات السياسية المستفيدة أو المتعاونة في الترويج للمخدرات.
تأثير المخدرات
وفي هذا الصدد يرى الطبيب رحيم علم: إن “المخدرات الأشد خطرا على المجتمع تعاطي الشباب للمخدرات التي تؤدي إلى تلف الجهاز العصبي وتعطل الطاقة الإنتاجية، فضلا عن قيام المتعاطي بارتكاب جرائم قتل وسرقة، وقد تؤدي به إلى الموت المفاجئ أو الانتحار، مثلما تفضي إلى الخيانة الزوجية وممارسة الدعارة”.
وأضاف علم في تصريح لوكالة “روج نيوز”: أن “حالات كثيرة من العنف الأسري انتشرت في العراق بسبب تعاطي المخدرات”، لافتاً إلى أن “تلك الظاهرة تتزايد في مناطق الجنوب العراقي، نظراً إلى نسبة انتشار تجارتها”.
عوامل الانتشار
وهناك عدة عوامل تحددها الدكتورة ماجدة الساعدي الإخصائية النفسية في مدينة الطب من بينها الفقر والبطالة اللتان يشكلان عاملان رئيسيان لانتشار المواد المخدرة في العراق، مشيرة خلال تصريح لوكالة “روج نيوز” إلى أن “هناك 4 ملايين عاطل عن العمل في العراق، مبينة أن 14% من الشباب العراقي عاطلون عن العمل ولا يملكون أي مصدر للدخل”.
وأشارت إلى أن “أسباب انتشار الإدمان على المخدرات، إلى “الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها العراق”، مبينة أن “الفقر والبطالة وغياب برامج التنمية الاجتماعية كلها عوامل أسهمت في دفع شباب عدة نحو الإدمان”.
الجهود الأمنية

وتقوم الأجهزة الأمنية بجهود متواصلة على الرغم من انتشار المخدرات وفق المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء خالد المحنا، الذي أضاف لوكالة “روج نيوز“: “نقوم بحملة اعتقالات للمتاجرين والمتعاطين في محافظات عدة”.
وقال المحنا: إن “كميات كبيرة من المخدرات تدخل إلى العراق من الخارج تذهب إلى المناطق السكنية ليتم بيعها، عاداً هذا الأمر تهديد خطير على المجتمع العراقي، ويحتاج إلى عمل كبير للسيطرة على هذا الملف”.
وأكد أن “العراق يحتاج الى جهود جبارة وتعاون مثمر بين المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وكل القوى التي تهتم بالعمل للتخلص من هذه الآفة المدمرة، ولكن الحكومة هي الأقوى في محاولة إيجاد فرص عمل للتخلص من البطالة والفقر، واستخلاص التجربة للتعاون مع الحكومات ومع المنظمات الدولية للاستفادة من الطرق التي اتبعت او تتبع للحد من ظاهرة انتشار المخدرات”.
وعلى الرغم من تنفيذ القوات العراقية حملات بشكل شبه يومي لاعتقال المتاجرين والمتعاطين في عموم المحافظات، إلا أن تلك الحملات لم تحد من الانتشار الذي يتسع بشكل خطير، إذ صار العراق خلال السنوات الأخيرة، أحد البلدان التي ينتشر فيها تعاطي المخدرات بشكل واسع.