تجريف الأراضي الزراعية.. ظاهرة تهدد النظام البيئي والأمن الغذائي في العراق

بغداد

ينفرد العراق عن البلدان الأخرى بوجود مقومات كثيرة تساعده على التميز والتفرد بإنتاج المحاصيل الزراعية، اذ يعد وجود النهرين الى جانب الأراضي الخصبة من العوامل الضرورية لنمو القطاع الزراعي، وعلى مدار الفترات السابقة انتعشت الزراعة واعتمد الفرد العراقي عليها في تأمين حاجاته الضرورية وتحقيق الامن الغذائي.

يعد العراق من البلدان الغنية إذ هو غني بالنفط ومن البلدان متوسط الدخل من الشريحة العليا، وبلغ عدد سكانه 41.5 مليون نسمة في عام 2022، يعيش 30.1 في المائة منهم في مناطق ريفية. ويعتبر قطاع البلد الزراعي عنصرا حيويا في الاقتصاد على الرغم من أنه لا يشكل إل 5.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

بعد ان تحول العراق الى الاقتصاد الريعي الأحادي بالاعتماد على النفط ومخرجاته برزت العديد من المشاكل، واُهملت بقية القطاعات مثل الصناعة والزراعة، فالقطاع الأخير هو المتضرر الأكثر وبات من الحلم ان يعود مثلما كان في الفترات السابقة قبل عقدين من الآن.

كان المزارع يحظى بالدعم والاهتمام الحكومي النسبي، ويأتي ذلك الاهتمام نتيجة ما يعانيه البلد من حصار اقتصادي، جعله يعتمد على الإمكانات الداخلية لتوفير السلة الغذائية للمواطنين، وبالفعل تم الوقوف مع المزارعين وتزويدهم بالبذور وغيرها من مستلزمات الزراعة بما يُمكن الافراد من مواصلة الاستثمار في الحقل الزراعي دون خوف من الخسائر بالمقارنة مع الوقت الحالي.

ولولا اتخاذ الحكومة آنذاك هذا الاجراء لعاشت ملايين الافراد تحت خط الفقر ولمُلئت الطرقات بالمتسولين والباحثين عن العمل، وهذه الإجراءات في وقتها مكنت الشعب من تجاوز وعبور الازمة، التي استمرت لمدة سنوات بالتزامن مع الحروب القائمة مع البلدان المجاورة والعقوبات الدولية المفروضة على ذلك.

ويعد معدل الفقر الريفي 31 في المائة نتيجة مباشرة للنمو السكاني السريع، والنزاع وانعدام الأمن. وبالإضافة إلى ذلك، ساهم تغير المناخ في زيادة ندرة المياه وتسارع التصحر. وأدت هذه الآثار مجتمعة إلى انخفاض احتمالات وجود إنتاج زراعي مروي مجز وضعف فرص توليد الدخل المستدام للمجتمعات الريفية”.

هذه العوامل ساهمت ببقاء الأراضي الزراعية فارغة نتيجة هجرة مالكيها إلى المدن للبحث عن العمل, مما جعلها غنيمة الكثير من الجهات المسنودة من قبل الأحزاب السياسية في العراق, حيث أصبح تجريف الأراضي في بغداد خاصة والمحافظات عامة سمى بارزة تتقاتل عليها تلك الجهات الحزبية”.

شهدت السنوات الأخيرة تجاوزاً على الأراضي الزراعية في العراق، وتحديداً البساتين وأراضي الملك الصرف وحتى العقود الزراعية، بالاعتداء عليها وتقسيمها وتحويلها إلى أراض سكنية ومشاريع صناعية، مثل معامل الطابوق ومعامل تكسير الحصى والمنشآت النفطية وغير ذلك.

وتعليقًا على ذلك يقول الخبير في الشأن الزراعي والمائي عادل المختار: إن “التجريف واستغلال التربة الصالحة للزراعة لأغراض أخرى مثل السكن أو إنشاء المعامل الصناعية، ظاهرة خطرة على النظام البيئي الطبيعي في العراق”.

عادل المختار

وأضاف في تصريح لوكالة “روج نيوز”: ان “هنالك تجاوزات على الاراضي الزراعية، حيث يقوم مجموعة من اصحاب العقود الزراعية ببيع بساتينهم دون الاخذ بنظر الاعتبار ان هذه المساحات زراعية ولكونها تمثل غطاء نباتياً في العراق وتمثل مورداً اقتصادياً للموازنة العامة”.

بحسب القانون العراقي للعام 1993، يحظر تجريف الأراضي الزراعية أو نقل أتربة منها، إلا أن الاجراءات الرادعة ضد من يقومون بتجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى سكنية، لازالت لا ترتقي الى المستوى”.

وبحسب تقديرات الحكومة، فإنّ التصحر في العراق وصل إلى نسبة 39%، فيما تهدّد زيادة ملوحة التربة القطاع الزراعي 54% من الأراضي المزروعة، الأمر الذي يزيد من مخاوف فقدان أغلب المساحات الخضراء في عموم أنحاء المحافظات في البلاد.”

ويوجد 4 آلاف مجمع عشوائي في عموم العراق، تضم 522 ألف وحدة سكنية، ربعها في العاصمة بغداد، وبواقع 1022 عشوائية، تليها البصرة بواقع 700 مجمع عشوائي، وفقاً لإحصائيات وزارة التخطيط”.

تبلغ مساحة الأراضي الزراعية المستغلة في العراق 18 مليون دونم من أصل 32 مليون دونم، حسب تصريحات لوزير الزراعة السابق محمد كريم الخفاجي، بعد أن كانت تستغل كلها في عهد النظام السابق”.

تحذير حكومي

مهدي الجبوري

في الأثناء…حذر الوكيل الفني لوزارة الزراعة العراقية مهدي الجبوري، من استمرار ظاهرة تجريف الأراضي الزراعية في البلاد, كاشفًا عن “اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تجريف الأراضي والبساتين.

وقال الجبوري في تصريح لوكالة “روج نيوز”: إن “الأراضي الزراعية ثروة وطنية وحمايتها واجب مهم، كونها تلعب دوراً مهماً في توفير الأمن الغذائي والمحافظة على المناخ الملائم”.

وأضاف: أن “القوانين العراقية أكدت الحفاظ على الأراضي الزراعية وتحسين خواصها وعدم تجريف الأراضي والبساتين ومنها قانون 117 لسنة 1970 وقانون حماية الإنتاج النباتي وقانون 53 لسنة 1976 وكذلك قرار 364”.

وتابع الوكيل الفني: أنه “تم إعمام أكثر من كتاب الى مديريات الزراعة في المحافظات كافة، بخصوص متابعة الأراضي الزراعية ومنع التجاوز عليها من خلال تشكيل اللجان الرئيسية في المحافظات والفرعية في كل قضاء أو ناحية، واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتجاوزين ومحاسبة المواطنين الذين يتاجرون بأراضي الدولة”، موضحاً أن “هذه الإجراءات اتخذت لمنع ضعاف النفوس من استغلال قرار تمليك الأراضي للمتجاوزين المرقم 320 لسنة 2022، وقيامهم بتجريف أراض جديدة”.

يذكر أن “مجموعة مسلحة اشتبكت مع عناصر الشرطة الاتحادية في منطقة البوعيثة الزراعية وسط العاصمة بغداد حيث كانت تلك المجموعة تحاول السيطرة على مساحة من الأراضي الزراعية لبيعها بشكل قطع سكنية بمساحة 100 م مربع حيث أدى الاشتباك إلى إصابة عدد من عناصر الشرطة الاتحادية”.

هذا وقد تعطلت السياسات الزراعية في العراق بعد عام 2003، ولم تسع الحكومات المتتالية لحل هذه الأزمة بشكل جدي يعيد الزراعة إلى نشاطها، وذلك رغم التحذيرات المستمرة لما يشكله استمرار الأزمة من انعكاس خطير قد ينهي الزراعة في البلد إلى الأبد”.