زواج القاصرات.. كارثة ثمنها ستدفعه الأجيال المقبلة

بغداد/ وسام الزهروني

وجدت نفسها فجأة، أمام أدوات التجميل، أجلستها والدتها وشقيقتها الكبرى المتزوجة قبالة المرآة، وسرعان ما مر أحمر الشفاه والكحل على وجهها، لم تدرك أن حياتها في هذه اللحظة تغيرت للأبد.

سلوى محمد، وهو أسم مستعار لفتاة في الـ 13 من عمرها في محافظة الديوانية، وبدلا من أن تنشغل بالدراسة وهي المرحلة المتوسطة، انشغلت بتجهيز نفسها للزواج، فهذه المرة الأولى لها التي تدخل صالون نسائي لغرض إزالة الشعر، والمرة الأولى التي تتزين فيها، لم تعرف كيف صدر قرار تزويجها ولم يؤخذ رأيها.

انتهت حياة سلوى الدراسية، ومرت الأيام الفاصلة بين خطوبتها وزواجها أسرع من الحلم، لتجد السيارة البيضاء المزينة عند باب منزل والدها، الذي زوجها لرجل يكبرها بفارق 18 عاما.

“سمعت كلمات لم أفهمها في البداية، وهي (سأربيها على يدي)، هذه الكلمات صدرت من زوجي خلال وجوده في منزلنا قبل زواجنا، وبعد ذلك اعتدت على هذه الجملة، وكأنني بلا تربية، واستغربت كيف وافق والدي على هذه الجملة أن تقال بوجوده”، بهذه الكلمات تسرد سلوى حكايتها لـروج نيوز بعد أن مر على زواجها 3 أعوام.

وتؤكد “رغم زواجي وإنجابي لطفلة، فأن عمري ما زال دون مرحلة السادس إعدادي، وهذه لغاية الآن مثل الغصة في حياتي، زميلاتي أكملن دراستهن وربما يدخلن الجامعة، وأنا انشغلت بزوجي وطفلتي، ومشاكل ومعاناتي مع أهل زوجي، دون أن أكون راغبة بهذه الحياة من الأساس ولم يؤخذ رأيي”.

وما زالت المرأة في العراق تعاني من ضغوط اجتماعية كبيرة، إذ أن نسبة كبيرة من النساء لا يملكن حق اختيار الزوج أو إكمال الدراسة أو العمل، بموجب الأعراف والتقاليد السائدة، ما يوقع كثيرا منهن في ظروف عائلية ونفسية صعبة للغاية تدفعهن أحيانا إلى الهرب، بحثا عن حياة أفضل.

وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الآن، على أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أيا من أحكام هذا القانون المتعلقة بانتظام الطالب في دوامه المدرسي.

وقد نص القانون أيضا على أن تقوم إدارات المدارس الابتدائية بحصر حالات التخلف عن التسجيل، بموجب القوائم المعلنة لديها وما يطرأ عليها من التعديل، بالإضافة أو الحذف، وتتخذ الإجراءات لإبلاغ أولياء الأولاد وحثهم على تسجيلهم وعلى انتظام دوامهم والحيلولة دون تسربهم عن الدراسة، وإبلاغ الجهات المسؤولة عن مراقبة الدوام، ومديرية التربية المتخصصة.

سمر الفيلي

وحول هذا الأمر، توضح الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي، في تصريح لـروج نيوز، أن “زواج القاصرات يعد كارثة كبيرة في العراق، وهناك أسباب كثيرة تدفع بعض العائلات إلى تزويج بناتها في عمر صغير، منها التخلص من المسؤولية والظروف الاقتصادية، وبالتحديد الفقر”.

وتضيف الفيلي، أن “بعض العائلات تشعر أن وجود الفتاة وتجاوزها العاشرة من العمر، يعد مسؤولية وعليها أن تتخلص منها عبر تزويجها، وليس هذا فقط، بل يتم تزويجها لمراهق أيضا، بالتالي ينتجون زواجا مكون من شخصين يفتقران للإدراك ولا يعرفون معنى المسؤولية، وهذا بتسبب بأخطاء جسيمة تضر بالمجتمع ككل وكوارث مستقبلية”.

وتتابع أن “هذا الزواج، أو تزويج الفتاة القاصر من شخص يكبرها عمرا، هو الأساس برفع عدد حالات الطلاق في العراق بشكل مهول، إذ تصل الفتاة القاصر وزوجها لمرحلة من عدم التفاهم فضلا عن الخيانة، لذلك ننصح بأن يكون الزواج بعد إنتهاء المرحلة الجامعية من الدراسة، ففيها يختلط الشباب ويمرون بتجارب عديدة، تؤهلهم لمرحلة الزواج”.

وتشير إلى أن “زواج القاصرات أو المراهقين، سينتج أطفالا، وهؤلاء الأطفال سيدفعون الثمن مستقبلا، لاسيما وإن حدث الطلاق بين الأهل، أو عدم اهتمام الأهل بالأطفال، لكونهم شباب ويريدون أن يعيشوا حياتهم، فهم تزوجوا قبل أن يدخلوا معترك الحياة ويمروا بتجارب عديدة”.

وتعزوا الفيلي ما يجري إلى “الجهل، فالجهل هو السبب الرئيس بهذه التصرفات التي باتت تنتج جيلا يفتقر للوعي والإدراك، فلو كان الأهل على مستوى من التعليم أو تركوا أطفالهم وبناتهم يكملون تعليمهم، فلن تحدث هذه الزيجات الكارثية”.

وحتى الآن ما تزال حالات الطلاق في المحاكم أعلى من الزواج، وقد سجل العام الماضي، نحو 70 ألف حالة طلاق في المحاكم، بمعدل وسطي يبلغ قرابة 200 حالة يوميا، بحسب إحصائية للقضاء.

وبحسب نتائج المسح الوطني للمرأة العراقية، الذي تم تنفيذه بالشراكة مع الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط الاتحادية وهيئة إحصاء إقليم كردستان، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان مكتب العراق للعام 2021، بلغت نسبة النساء اللواتي تزوجن قبل بلوغهن سن الـ 18 عاما 25.5 بالمئة، بينما أظهرت نتائج المسح أن نسبة المؤشر نفسه في كردستان بلغت 22.6 بالمئة.

عدنان الشريفي

إلى ذلك، يرى الخبير القانوني عدنان الشريفي، في تصريح لـروج نيوز، أن “المشرع العراقي، أشترط أن يكون سن البلوغ هو 18 عاما لكلا الجنسين، في مسألة الزواج، لكنه أكد أيضا أنه إذا الفتاة أتمت الـ 15 من عمرها تخضع للجنة الطبية للتأكد من قدرتها الجسمانية للزواج، لكنه لم يضف لها فحص القدرة العقلية، أي إمكانية تحملها لمسؤولية الزواج”.

ويتابع أن “هذا العمر بالنسبة للفتيات، تظهر فيه الغرائز والفوضى وهناك شحنات كثيرة، وهنا يأتي دور العائلة في ضبط الفتاة بدل الذهاب لتزويجها، لكن هناك بعض العائلات ترى أن زواج الفتاة القاصر هو الحل للتخلص من مشاكل الفتاة أو ذهابها باتجاه الانحراف وغيرها من الأمور”.

ويؤكد أن “هذه القضية بعيدة عن القانون، فالمشرع العراقي وضع النصوص وانتهى دوره، بالتالي تقع المسؤولية على الأهل بالدرجة الأساس، فهم من يقررون أن الفتاة قادرة على تحمل المسؤولية أو لا، ومن ثم يأتي دور المجتمع والضغوط التي تمارس على الفتاة وأهلها في هذا العمر الحرج، لتكون النتيجة أن زواج القاصرات هي عملية اجتماعية مرتبطة بالإرث والقيود”.

يذكر أن مجلس القضاء الأعلى، وبحسب بيان له العام الماضي، أكد على ضرورة تشريع قانون يمنع زواج القاصرين خارج المحكمة وتغريم من يقوم بهذا الفعل ومعاقبته.

وتنتشر في بغداد وكافة المحافظات، مكاتب الزواج الشرعي، وهي بقيادة رجال يرتدون الزي الديني، وتعد هذه المكاتب هي السند الشرعي الأساسي لعقود الزواج والطلاق من قبل غالبية المواطنين، وتبرم هذه المكاتب عقود الزواج والطلاق مقابل مبالغ مالية مختلفة، لكن بالمتوسط تبلغ بين 60 – 80 دولارا.