يارا محمد
تعتمد الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا على النظام الديمقراطي والبيئي وحرية المرأة، وفقًا لما تؤكده المادة الثانية من ميثاق العقد للإقليم. للوهلة الأولى، قد يبدو ما جاء في هذه المادة مألوفًا، لكن ما هو غير مألوف هو اعتماد الإدارة الذاتية على حرية المرأة كأساس في بناء نظامها. فلا يمكن بناء إدارة ذاتية بدون تحقيق حرية المرأة.
ثورة المرأة في روج آفا وشمال وشرق سوريا
قبل أكثر من 12 عامًا، انطلقت ثورة في روج آفا وشمال وشرق سوريا، وسميت بثورة المرأة. تعد هذه الثورة واحدة من أبرز الحركات التحررية في العصر الحديث، حيث تصدرت النساء الكرديات طليعة الفعاليات والنشاطات المناهضة للفكر الذكوري الذي يسعى لتحجيم إرادة المرأة وسلبها هويتها وجوهرها. هذه الحركة لم تكن مجرد مقاومة للتمييز الجندري، بل كانت أيضًا حركة تطالب بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان لكل فئات المجتمع.
الجذور التاريخية والاجتماعية
لعبت النساء الكرديات تاريخيًا دورًا محوريًا في المجتمع الكردي، ولكنهن كن غالبًا ما يتعرضن للتهميش والتقليل من شأنهن في الحياة السياسية والاجتماعية. ومع تصاعد النزاعات في سوريا، وجدت النساء في روج آفا فرصة لتغيير هذا الواقع والمشاركة الفعالة في بناء مجتمع جديد يقوم على المساواة والعدالة.
بداية الثورة
بدأت ثورة المرأة في روج آفا بالتزامن مع الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، والتي طالبت بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ومع بدء النزاع في سوريا، قررت النساء الكرديات أن يقدمن نموذجًا مختلفًا للثورة، يعتمد على المساواة بين الجنسين كجزء أساسي من المشروع التحرري.
المبادئ والأهداف
تقوم ثورة المرأة في روج آفا على عدة مبادئ رئيسية، منها:
1- المساواة بين الجنسين: رفض التمييز الجندري والعمل على تحقيق المساواة الكاملة بين النساء والرجال في جميع مناحي الحياة.
2- العدالة الاجتماعية: بناء مجتمع يقوم على العدالة الاجتماعية ويوفر حقوقًا متساوية لجميع أفراده بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم أو دينهم.
3- الحرية والديمقراطية: تعزيز الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان، وضمان مشاركة الجميع في اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية.
4- التنوع الثقافي: حماية وتعزيز التنوع الثقافي في المنطقة، واحترام جميع اللغات والثقافات والأديان.
الدفاع عن الأرض
لعبت النساء دورًا بارزًا في الدفاع عن أراضي روج آفا وشمال وشرق سوريا ضد الهجمات التي شنها تنظيم داعش والمجموعات المسلحة الأخرى. أسست النساء وحدات حماية المرأة (YPJ)، التي كانت أحد الأعمدة الأساسية في المقاومة ضد داعش. قدمت وحدات حماية المرأة نموذجًا مميزًا للشجاعة والتفاني، حيث كانت النساء تشارك جنبًا إلى جنب مع الرجال في الخطوط الأمامية للمعارك.
القيادة السياسية
لم تقتصر مشاركة النساء على الجوانب العسكرية فقط، بل كن نشيطات في الحياة السياسية أيضًا. أسست النساء العديد من المجالس واللجان التي تعمل على تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية في المنطقة. وقد شغلن مناصب قيادية في الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، حيث ساهمن في صياغة السياسات واتخاذ القرارات التي تؤثر على حياة الجميع.
التعليم والتوعية
كان التعليم والتوعية جزءًا أساسيًا من نضال النساء في روج آفا. فقد عملن على إنشاء مدارس ومراكز تعليمية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة. كما نظمّن ورش عمل ومؤتمرات لزيادة الوعي الاجتماعي وتغيير الأفكار النمطية عن دور المرأة في المجتمع.
الاقتصاد والمشاريع التنموية
شاركت النساء أيضًا في العديد من المشاريع التنموية والاقتصادية التي تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية في المنطقة. أنشأن تعاونيات زراعية وصناعية تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد على الموارد المحلية. هذه المشاريع لم تعزز فقط الاقتصاد المحلي، بل ساهمت أيضًا في تعزيز دور المرأة في المجتمع وجعلها عنصرًا فاعلًا في عملية التنمية.
التحديات والعقبات
رغم الإنجازات الكبيرة التي حققتها ثورة المرأة في روج آفا، إلا أنها واجهت العديد من التحديات والعقبات. كان على النساء الكرديات مواجهة التمييز الجنسي والثقافي والديني في مجتمع تقليدي. كما واجهن ضغوطًا من القوى الإقليمية والدولية التي لم ترحب بمبادئ الثورة وأهدافها.
الدعم الدولي
حظيت ثورة المرأة في روج آفا بدعم وإشادة من العديد من المنظمات الدولية والجماعات النسوية حول العالم. هذا الدعم كان له دور كبير في تسليط الضوء على نضال النساء الكرديات وكفاحهن من أجل الحرية والمساواة.
المؤسسات النسائية في الإدارة الذاتية والتغيير المجتمعي
تواصل الإدارة الذاتية تمكين النساء وتقدير تضحياتهن. مشروع الإدارة الذاتية يحقق مطالب النساء في الحرية والتغيير، ويحميهن ويدافع عنهن. نظام الرئاسة المشتركة المتبع في مؤسسات الإدارة الذاتية يشهد على ذلك. كما أنشأت النساء مؤسسات ومجالس عسكرية ومدنية وتنظيمية خاصة بهن مثل مؤتمر ستار، وحدات حماية المرأة، وغيرها.
الدور المستمر للمرأة في الإدارة الذاتية
تظل النساء الكرديات رموزًا للنضال والمقاومة، وقدوة يُقتدى بها في سعيهن لتحقيق الحرية والمساواة في المجتمع. تضحياتهن ودورهن القيادي في تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا يشكلان نموذجًا يحتذى به لتحقيق العدالة الاجتماعية وتمكين المرأة في جميع المجتمعات.
النساء القياديات في مسيرة الإدارة الذاتية
مع كل مرحلة من مراحل تأسيس الإدارة الذاتية، تصدرت أسماء النساء القياديات والرياديات المشهد. دأبن على مدار الأعوام الماضية في الدفاع عن شعبهن وبنات جنسهن.
كولي سلمو: الرمز الأول
كولي سلمو هي إحدى الرموز النسائية التي كرست حياتها لإيصال فكر القائد عبد الله أوجلان. انضمت كولي إلى مجلس الشعب في حي الشيخ مقصود عام 2012، حيث أصبحت عضوة فاعلة، تميزت بجرأتها وتنظيمها للأعمال، وأسهمت بشكل كبير في اتحاد ستار، الذي تغير اسمه لاحقًا إلى مؤتمر ستار في عام 2016. استشهدت كولي في 13 مارس 2012 بعد إصابتها بجروح جراء محاولة اختطاف أحد الإعلاميين الذين كانوا يوثقون جرائم المجموعات المسلحة.
آرين ميركان: الأسطورة
في 5 أكتوبر 2014، قامت الشهيدة آرين ميركان بعملية فدائية ضد مرتزقة داعش على تلة مشته نور في كوباني، مما غير موازين الحرب ضد داعش ورسمت نهجًا لحرية المرأة، أصبحت آرين رمزًا للمقاومة والحرية، وقد سارت العديد من المناضلات على نهجها، مثل أفيستا خابور وبارين كوباني.
أفيستا خابور: البطلة المتفانية
امتدت مقاومة آرين إلى أفيستا خابور، التي فجرت قنبلة يدوية ودمرت دبابة تركية في الليلة السابعة من مقاومة العصر، مما أدخل المقاومة مرحلة جديدة. استشهدت أفيستا في 27 يناير 2018، وتبعتها بارين كوباني، التي قاومت حتى اللحظات الأخيرة قبل استشهادها في 1 فبراير 2018.
هفرين خلف: السياسية الحكيمة
اغتالت الدولة التركية ومرتزقتها هفرين خلف، الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، في 12 أكتوبر 2019 أثناء الهجوم التركي على سري كانيه وكري سبي. كانت هفرين تسعى لحل الأزمة السورية وتوحيد الشعب، لكن استهدافها يعكس العداء التركي تجاه القياديات الكرديات.