مركز الأخبار
حياة بدأت من توزلوتشاير، توجت بكفاح ملحمي في جبال كردستان الوعرة، عضو المجلس التنفيذي لـ لمنظومة المجتمع الكردستاني رضا التون، هي قصة شاب كردي خرج من قرية فقيرة وتحوّل إلى شخصية ثورية، تبدأ هذه الرحلة في عام 1956 من قرية كوجوك سوباجيمان التابعة ل قيصري، وتلخص حياة مليئة بالنفي، والصعوبات، والمقاومة، والسعي من أجل الحرية.
الطفولة والحياة الصعبة
وُلِد رضا ألتون في عام 1956 طفلًا لعائلة كردية علويّة في قرية كوجوك سوباجيمان التابعة ل قيصري. كانت القرية مكانًا نُفي فيه الأكراد منذ العهد العثماني، تحت ظل الفقر والإقصاء. قضى ألتون طفولته في الطرق الوعرة لهذه القرية، وفي حقولها. هاجر والده بحثًا عن لقمة العيش إلى أنقرة، تاركًا عائلته وراءه. تمسّك ألتون بحياة قريته الصعبة.
في أوائل السبعينيات، انتقلت عائلة ألتون إلى أنقرة. كان عنوانهم الجديد هو حي توزلوتشاير في ماماكا. كانت هذه المنطقة، حيث ارتفعت العشوائيات وتجمّع الفقراء الكر د والعلويون، بمثابة مختبر للثورة الاجتماعية. ومع ذلك، لم تتلق عائلة ألتون استقبالًا دافئًا كـ “غرباء” قادمين من القرية، أصبحت ملابس وحديث عائلته بالكردية موضوع سخرية في الجوار، وكانت الإهانات جزءًا من الحياة اليومية. ومع ذلك، تحوّلت توزلوتشاير إلى مدرسة شكلت روح ألتون، حيث تعلم فيها الألم والمقاومة.
استيقاظ ثوري
بعد أن أنهى المرحلة الابتدائية، لم يستطع ألتون مواصلة تعليمه، وبدأ العمل في سن مبكرة. كانت حياته مليئة بالأعمال اليومية، والبناء، و كانت الحياة بالنسبة له أيامًا طويلة يقضيها بعرق الجبينر ومع ذلك، جعلت السبعينيات من توزلوتشاير مركزًا ثوريًا. حتى تحت ظل قمع الانقلاب العسكري في 12 مارس 1971، كانت رياح يسارية تهب في الحي. كان شجاعة ماهير جايان وروح دنيز كزميش المتمردة على لسان الشباب. أصبحت توزلوتشاير موقدًا يشعل الوعي الثوري لجيل بأسره وليس فقط لألتون.
في عام 1973، وفي السابعة عشر من عمره، انضم ألتون كمتعاطف مع THKO (جيش تحرير الشعب التركي) إلى الحركات اليسارية في توزلوتشاير ومالتيب. كانت هذه الجمعيات بمثابة مدارس له. هناك، تعرف على أفكار المساواة، والحرية، والنضال. و أصبحت شوارع توزلوتشاير ساحة لا تتواجد فيها فقط حي، بل أصبحت ساحة يدق فيها نبض الثورة.
روح ألتون الثورية تتحد مع القائد
كانت سنة 1975 نقطة تحول في حياة ألتون. هناك التقى بكمال بير في توزلوتشاير. كان بير أحد رواد الحركة الأبوجية التي تبنت أفكار القائد. أصبح المنزل المتواضع الذي استأجره كمال بير في الحي مركزًا لتجمع الثوار الشباب. كان ألتون واحدًا من مرتادي هذا البيت. كانت النقاشات، والخطط، والأحلام تتشكل هنا.
في أوائل عام 1976، تعرف رضا ألتون على الثوري التركي حقي قرار، و كمال بير. أخذ حقي قرار، رضا ألتون إلى بيت حيث تجمع الأبوجيون في حي أنيت تبه بأنقرة. الشخص الذي استضاف ألتون في المنزل وتحدث عن نضال لم يشهده من قبل كان القائد. تأثر ألتون بشدة بأفكار القائد ، ومواقفه، واهتمامه بنضال الشعب الكردي من أجل الحرية. كانت هذه اللقاءات هي التي أكملت هويته الأبوجية.
ساعدت على استيعاب المعنى. لم يعد عامل شاب في توزلوتشاير، بل أصبح مناضلاً مخلصاً ناضجاً ، يكافح من أجل تحرير الشعب الكردي.
الانتقال إلى كردستان: عملية غازي عنتاب وهيلوان
في أواخر عام 1976، أُرسل ريزا ألتون إلى ديلوك (غازي عنتاب) بتوجيهات من القائد ، وكان عمره حينها 22 عاماً. كانت هذه تجربة جديدة تمامًا بالنسبة لألتون بعد توزلوتشاير، حيث تعرف هنا على حقيقة كردستان المشتعلة. استأجر في حي يوكاري باير من غازي عنتاب منزل صغير مع مجموعة من الثوار. كانت الصعوبات المالية كبيرة، حيث كانوا يجدون صعوبة في توفير لقمة العيش وأحيانًا لا يجدون ما يأكلونه. لكن إيمانهم وارتباطهم الجماهيري وقيم الثورة المعنوية أبقوهم صامدين. كان ألتون دائمًا في الصفوف الأمامية خلال العمليات المنسقة ضد الجماعات الفاشية والمراكز الأمنية والعملاء.
بين أنقرة وغازي عنتاب، تعرض لحادث مروري وعجز عن الحركة لمدة عام. أدى هذا الحادث إلى دخوله على رادار قوات الأمن. عاد إلى غازي عنتاب وأسس مجموعة من النشطاء من أصدقائه المقربين. أصبحت المراكز الأمنية والأماكن الفاشية والعملاء أهدافهم.
امتد طريق ألتون إلى جورنة رش (هيلوان). هنا شارك في المقاومة ضد القوى الإقطاعية مثل بيت سليمان وبوجاك، لم تكن هيلوان مجرد ساحة للقتال بالنسبة له، بل كانت محطة تنفس فيها روح الحرية لكردستان.
13 عامًا في السجون: التعذيب والمقاومة
اعتُقل في هيلوان عام 1978. واستُجوب تحت تعذيب شديد لمدة عام. ضاعف الانقلاب العسكري في عام 1980 معاناته. أصبح هدفًا للتعذيب المنهجي في سجن آمد. قضى خمس سنوات في زنازين آمد المظلمة. خلال وقته هناك، أصبح ألتون أحد الأسماء البارزة في المقاومة. بعد ذلك، قضى 13 عامًا في سجون أضنة ومرسين وسنوب وأسكي شهير وغازي عنتاب.
لم تستطع سياسات الفاشية في السجون كسر إرادة ألتون وإيمانه واتصاله بحب الشعب. شارك في إضراب الجوع عام 1981 وفي إضراب الموت عام 1982. أصبح رمزًا للمقاومة في كل زنزانة وكل غرفة. عندما أُطلق سراحه في عام 1991، كان جسده مرهقًا ولكن روحه كانت قوية. كانت السجون بالنسبة له ليست فقط أسرًا، بل أماكن صقلت عزيمته في النضال.
إعادة اللقاء بالقائد آبو
بعد الإفراج عنه مباشرة، انتقل ألتون إلى المنطقة التي يتواجد فيها القائد آبو. خلال الفترة التي قضاها هناك، واجه التحول الذي شهده حزب العمال الكردستاني خلال 13 عامًا. لم يعد الأبوجيين مجرد مجموعة من المقاتلين، بل تطور إلى حركة جماهيرية واسعة.. وانضم في عام 1993 إلى المؤتمر الصحفي التاريخي الذي أعلن فيه حزب العمال الكردستاني وقف إطلاق النار. وفي عام 1994، أصبح ممثلًا لحزب العمال الكردستاني في إيران، وحارب في الجبال كمقاتل من قوات الدفاع الشعبي (ARGK).
أوروبا والعودة إلى الجبال الحرة
انتقل رضا ألتون إلى أوروبا في عام 1999. وعلى مدى سبع سنوات، تولى القيادة في الأعمال الدبلوماسية والسياسية بين الجالية الكردية في أوروبا. تم احتجازه لفترة قصيرة في فرنسا، لكنه لم يكن ليصبح موطنه الدائم. في عام 2007، عاد إلى جبال كردستان الحرة. كعضو في المجلس التنفيذي لمنظومة المجتمع الكردستاني، تولى مهام عسكرية وسياسية وإيديولوجية. حتى اللحظة الأخيرة من حياته، كان في مقدمة تلك المهام.
إرث الثائر رضا التون
حياة رضا ألتون هي ملحمة تمتد من توزلوتشاير إلى جبال كردستان الوعرة. لم يكن مجرد ثائر، بل كان رمزًا حيًا لطموح شعب نحو الحرية. بدأت رحلته كشاب كردي في توزلوتشاير، واكتملت أفكاره بفكر القائد آبو في روح الجبال الحرة. ترك ألتون أثرًا لا يمحى كمقاتل شجاع وقيادي في النضال الكردي.
توزلوتشاير هي المكان الذي بدأت فيه قصته، لكن إرثه يعيش في كل ركن من أركان كردستان وفي قلوب جميع من يناضلون من أجل الحرية.