محمد الجبوري
في زمن ضاعت فيه بوصلة السلام، وضع حزب العمال الكردستاني اليوم رسالة صريحة على طاولة الأطراف الإقليمية والدولية كأنها “باب حوّار مفتوح” مفاده لا خيّار سوى السلام.
القائد عبدالله اوجلان الذي طالما يدعو للعيش المشترك، يعلم تماماً أن الأحداث التي تشهدها المنطقة باتت تثير القلق حيث دخلت في مرحلة ضبابية لا خيّار سوى رفع راية السلام كـ”خيار استراتيجي” يحافظ على نهجه الذي سار عليه لأجل تحقيق تطلعات الشعوب.
إعلان حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه، رسالة لم تأتِ من فراغ ولم تكن وليدة الضعف كما يروج لها البعض بل جاءت في توقيتٍ بالغ الأهمية ووفق رؤية عميقة اتخذها حزب العمال الكردستاني ذات امتداد للسلام طالما حمله القائد عبدالله اوجلان منذ عقود تتمثل بتهشيم جدار العنف لصالح مستقبل أمن وسلام دائم.
ففي جغرافيا مشحونة تمتد من غزة إلى أوكرانيا ومن سوريا ولبنان ثم العراق، تدرك قيادة حزب العمال الكردستاني – القائد عبدالله اوجلان- ان الخيار الحقيقي اليوم ليس المزيد من الضغط على زناد البنادق ولا القصف العشوائي الذي تنفذه تركيا في شمال العراق بل ترسيخ السلام وطريق نحو تحقيق الديمقراطية لأجل حياة مجتمعية تشاركية.
تلك الخطوة التاريخية غير اعتيادية في تاريخ الحركات بالمنطقة والتي لاقت ترحيباً عراقياً وإقليميا ودولياً، بإعلان نهاية حقبة الكفاح المسلح، لا تعني نهاية فصل من تاريخ حزب العمال الكردستاني “النضالي”- وجهة نظر الكاتب- بل نقطة اختبار لتركيا والأطراف الدولية وللمجتمع الدولي. رافعاً التحدي أمام أنقرة، ناقلاً رسالته للعالم بإن “المهمًة التاريخية للحزب لقد أنجزت” في نقل القضية الكردية من النسيان إلى سياق النقاش السياسي الإقليمي والدولي.
وفي الوقت الذي يمدّ فيه الحزب، جسور السلام ويواصل إطلاق المبادرات التي يمكن من خلالها وأد العنف، تواصل تركيا حتى الآن قصفها اليومي لمناطق إقليم كردستان العراق التي تقف فيها الجبال ثابتة كأنها شهود صامتون.
اذاً ما قام به حزب العمال الكردستاني- القائد عبدالله اوجلان، من تحوّل النزاع المسلح إلى زرع بذرة لتحقيق السلام، يضع الجميع أمام مسؤوليات أخلاقية وسياسية كبيرة، فأما تكون المرحلة المقبلة ديمقراطية تسمح للعيش المشترك والعمل السياسي وأما يفضح كل من يختبئ خلف دخان العنف لتبرير أطماعه.
برؤية القائد عبدالله أوجلان التي تتلقف اليوم في الإعلام جاءت وفق مسار طويل من مبادرات السلام لطالما أطلقها من سجنه في “إمرالي” أيمانا بمشروع إنساني ديمقراطي عابراً للطوائف والقومية… يرى أن السلاح اليوم لا يصنع الحرية وأن مشروع النضال العسكري قدّم ما يستطيع تقديمه. أما الآن الشعوب بحاجة لبيئة حوار لا صوت الرصاص.
الرسالة وصلت… والكرة في ملعب تركيا