محمد جهادي
تتعدد الأحاديث في الشارع العراقي حول حزب العمال الكردستاني في وقتٍ سعت فيه الماكنة الإعلامية التركية وأطراف سياسية محددة عراقية إلى تشويه صورة هذا الحزب وفكرته، التي صمدت أربعين عاماً، ففي كل زاوية داخل مقهى أو في باصات النقل ومنصات التواصل الاجتماعي، بدأ مواطنون يكشفون الحقيقة، الـ “PKK” ليس كما يُشاع عنه، بل هو حامل فكرة وسلاح ليس فقط في البندقية بل بالكلمة والثقافة.
“مصباح ينير طريقه“
وفي فلسفة القائد عبدالله اوجلان، يجد الشاب العراقي محمد رسول (33) عاماً، مصباحاً ينير طريقه نحو بناء الإنسان وتحقيق المساواة والعدالة وكيفية النهوض بمجتمع تشاركي يبنى على أسس ديمقراطية تصان فيه الحقوق والهوية الوطنية، ودورالمرأة في المجتمع.
رسول لم يكن يعلم شيئاً عن حزب العمال الكردستاني حتى جاء قرار الحل والانتقال من مرحلة الكفاح العسكري إلى النضال السياسي الذي اخذ صدى داخل العراق ولاقى ترحيباً عالمياً، ما دفعه للغوص عميقاً في فكر الحزب وقائده كما لو كان فضولاً لا يعرف الحدود، يريد أن يكتشف كل شيء عن تلك الفكرة التي بدأت تتجذر في عقله.
بدأ الحديث معه، فقال: “في السابق كنت أسمع القليل عن حزب العمال الكردستاني وما كنت أسمعه لا يخلو من السلبية وعندما يُذكر في جلسة ما تتشكل في ذهني صورة حزب عسكري يناضل ضد تركيا ولا شيء سوى ذلك، وأحيانا أسمع أخباراً على التلفاز وتتكرر الصورة ذاتها”.
ويقول لمراسل “روج نيوز”، أن “الخطوة التي أقدم عليها حزب العمال الكردستاني أخيراً التي تمثلت بإنهاء الكفاح المسلح واللجوء إلى العمل السياسي في هذا الوقت تحديداً الذي تشهد فيه المنطقة جملة أحداث معقدة لفتت انتباهي خاصة بعد الردود الترحيبية العالمية الواسعة حيث دفعتني لمعرفة الكثير عن العمال الكردستاني وافكار قائده”.
“بناء المجتمع“
فعندما بدأ بالتمحيص في محركات البحث، اكتشف أبعاداً تختلف عما كانت في ذهنه، مضيفاً، “وجدت التأكيد على بناء الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان وإقامة مجتمع تشاركي حقيقي، وجدت التأكيد على حقوق المرأة ودورها في المجتمع، المسؤولية الاجتماعية، بناء المجتمع، الهوية الوطنية، المعرفة، واحترام الأديان والثقافة بعيدا عن القومية والمذهبية”، حقيقة أن “حزب العمال الكردستاني مختلف ولا يشبه الحركات المسلحة الأخرى، حزب يحمل فكراً وثورة معرفية، وديمقراطية حقيقية وليس كما يُشاع عنه بهدف تشويه صورته”.
“فكرة أكبر من قدرة الشرق الأوسط“
وفي منصات التواصل الاجتماعي، فقد كتب المدون المعروف علي بدر، منشوراً حصل على تفاعل إيجابي كبير اذ جاء فيه ” انتبهت لشخصية القائد عبد الله أوجلان حين توفي المفكر الأميركي الاناركي موراي بوكتشين، فقد أقام مقاتلو حزبه “PKK”احتفالًا غير تقليدي فقد خرجوا إلى الجبال وأطلقوا الرصاص في الهواء، كأنهم فقدوا زعيمًا روحيًا لا مجرد مفكر غربي، كنت وقتها في برلين بدعوة من الجامعة، وعندما سمعت بالمظاهرات التي أقامها مناصرو الحزب لتأبين بوكتشين، ذهبت بنفسي لأشاهد آلاف الأشخاص يهتفون باسمه ويرفعون صوره، كما لو كان قائدًا سياسيًا أو رمزًا قوميا”.
ويكمل “عندها فهمت أن التحول في فكر عبد الله أوجلان لم يكن نظريًا، بل ثمة تحول فعلي إلى مشروع سياسي على الأرض، السيد عبد الله أوجلان ليس قائدًا عسكريًا كما يصور في الإعلام، بل مفكر قبل كل شيء، بدل أفكاره كلما تبدلت الظروف، يقول في كتبه الأخيرة إنه يعيد تشكيل نفسه في كل مرحلة من حياته. تأثر في بداياته بالمفكر الإسلامي التركي نجيب فاضل قساقورَك، لكن في الجامعة انجذب إلى الاشتراكية بعد أن قرأ كتابًا لليو هوبرمان. رغم ذلك، انتقد الأحزاب الماركسية لأنها تجاهلت القضية الكردية، وفي عام 1999اعتقل في أفريقيا( كينيا) في صفقة دولية( المؤامرة الدولية) شاركت فيها أجهزة مخابرات من أميركا وإسرائيل واليونان بعد أن طلب منه النظام السوري مغادرة سوريا”.
وفي تركيا حكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى المؤبد. في سجنه بجزيرة إمرالي، عام 2002، تعرف السيد عبد الله أوجلان على أفكار المفكر الأميركي موراي بوكتشين، المعروف بنظرية “الكونفدرالية الديمقراطية” التي تدعو إلى نظام لا مركزي، يعتمد على الحكم الذاتي، العدالة البيئية، والمساواة بين الجنسين.
ويضيف ان “هذا المشروع تجسد لاحقًا في تجربة الإدارة الذاتية في شمال سوريا، حيث أطلقت تجربة (شمال وشرق سوريا) ، من خلال نظام الإدارة الذاتية (اللامركزية)، وبناء مجتمع تشاركي، ديمقراطي، حيث إنها تعتبر واحدة من أندر التجارب السياسية التي خرجت مباشرة من كتاب إلى واقع. تجربة مثالية لكنها أكبر من قدرة الشرق الأوسط على استيعابها، المستندة إلى العقلية القومية البحتة والمتمثلة إلى الدولة القومية.