لماذا يعير القائد آبو كل هذه الأهمية لمفهوم “الكومون ” و”التكامل الكوموني”؟

مركز الأخبار

في رؤيته التي أرسلها إلى المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني ، ناقش القائد عبدالله أوجلان في النقطة الثالثة بعنوان “ثنائية الدولة والكومون في المجتمع التاريخي” بشكل موسع وموسع أهمية “الكمونة”، بدءاً من نشوء المجتمعات وحتى اللحظة الراهنة، محدداً محورية “الكومون ” والتكامل الكوموني، ورصد تمظهرها في التاريخ، مقدماً العديد من الملاحظات الدقيقة والتقييمات الجوهرية.

سنحاول في هذا الملف تناول مفهوم الكومون، نماذج الكومونات، ودورها ضمن مشروع “الكونفدرالية الديمقراطية”.

ما هو الكومون؟

الكومون هو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى لجنة، مجتمع، أو مجموعة عمل، كما يمكن أن تعني كياناً اجتماعياً، تعاونياً، أو تنظيماً قائماً على الإدارة الذاتية.

في الحركات السياسية الكردية، وخاصة تلك التي تتبنى أيديولوجيا مثل فكر القائد آبو وحزب العمال الكردستاني، يلعب الكومون دوراً محورياً، فهو واحدة من الأسس التنظيمية للمجتمع.

يمكن لكل قرية، حي، أو منطقة أن تُشكّل كومونها الخاص، داخل الكومون، يناقش الناس شؤونهم بأنفسهم، يضعون خططهم، ويتخذون قراراتهم، يمكن للكومون أن يعمل على مواضيع مثل الإعلام، التعليم، الاقتصاد، تمكين المرأة، البيئة، الحوار، وحل المشكلات.

هذه الثقافة والتقاليد المتجذرة كانت دوماً إرثاً ومرجعاً للحركات المجتمعية، ومثالاً على المقاومة ونمط حياة مشترك وإدارة ذاتية، لا شك أن حركة حرية كردستان، من خلال صيغ جديدة للمجتمع الكردي، قد حافظت على هذا الإرث التاريخي وطورته بشكل كبير، كل هذا ضمن إطار نظام “الكونفدرالية الديمقراطية” الذي طرحه القائد عبد الله أوجلان من سجنه في إيمرالي عام 2005 لكل الشعوب.

الكونفدرالية الديمقراطية

بعد حضارات السومريين وما تلاها، نشأ نظام “الزيقورات” الذي يُعدّ البنية التحتية الأساسية للرأسمالية، وتم استخدامه للسيطرة على المجتمع وإدارته، السلطات التي كانت تُنسب إلى الآلهة في السماء انتُقلت إلى الحكام، وتم فرض الهيمنة الفردية على المجتمع عبر هذا النظام.

أما الكونفدرالية الديمقراطية، فتمثل النقيض لهذا النظام؛ إذ تُعطى فيه القرارات للمجتمع وليس للفرد، المجتمع هو من يقرر، ولا تُتخذ القرارات بالنيابة عنه،المجتمع هو من يدير نفسه، ويتخذ قراراته وينفذها بنفسه.

الكونفدرالية الديمقراطية هو نظام قائم على المجالس، أنظمة الدول عموماً تتشكل من عدة مجالس، لكن ديمقراطيتها شكلية، لذلك، لا توجد فيها آليات تمكن الشعب من التعبير عن ذاته واتخاذ القرار، المجلس هو المكان الذي تُناقش فيه القضايا وتُتخذ فيه القرارات. في ذهنية الدولة القومية، أماكن النقاش واتخاذ القرار تقتصر على النخب فقط، ولا تُمنح للشعب.

أن الكونفدرالية الديمقراطية هي نظام قائم على المجالس، هذا النظام يتألف من عدد لا يُحصى من المجالس، في أي مكان وُجد فيه الناس، يجب أن يوجد فيه مجلس، ويجب أن يناقش الناس شؤونهم بأنفسهم، ويتخذوا قراراتهم بأنفسهم، وينفذوها بأنفسهم أيضًا.

الكونفدرالية الديمقراطية تقوم أساسًا على الديمقراطية المباشرة،من الأسفل إلى الأعلى، في كل مكان، تكون النقاشات والقرارات والتنفيذ بيد الناس، هناك فهم خاطئ، وهو الاعتقاد بأن العلاقات من الأسفل إلى الأعلى دائمًا تُفهم وكأنها هرمية، كذلك يتم فهم القيادة وكأنها هرمية.

يقول القائد عبد الله  أوجلان في سياق ذلك: “الدولة لا تقود، بل تدير؛ أما المجتمع فهو الذي يقود”، كلمة “القيادة” حتى النهاية هي كلمة مجتمعية، ويجب أن توجد قيادة أيضًا، حتى في المجتمعات الطبيعية كانت الأم-المرأة تقود، ولكن شكل قيادتها لم يكن تسلطيًا أو هرميًا، بل كان قيادة تُوزَّع ضمن سلطة ديمقراطية”

كيف يعمل الكومين؟

نظام الكومينات، كجزء من القيادة ضمن الكونفدرالية الديمقراطية، يسير بطريقة الشراكة الثنائية، في الكومين، يمكن للجميع المشاركة، ويوجد رئيسان مشاركان (امرأة ورجل). في كل كومين توجد لجان: لجنة المرأة، لجنة الشباب، التعليم، الاقتصاد، الأمن، الصحة، وغيرها، أعمال الكومينات تُناقش وتُقيَّم عبر الاجتماعات والمداولات.

في المجتمع التاريخي: ثنائية الدولة والكومون

في منظور القائد عبد الله أوجلان الذي أرسله إلى المؤتمر الثاني عشر لحزب العمال الكردستاني، في الفقرة الثالثة بعنوان “في المجتمع التاريخي: ثنائية الدولة والكومون”، يوضح بشكل موسع وشامل أهمية الكومون، ويُبيّن أن بداية المجتمع كانت كومونية، وأن التمسك بالكومون في التاريخ هو أمر أساسي.

يجب أن يوضع الكومون في قلب المادية والتاريخ، بدلاً من الصراع الطبقي،من المؤكد أن هذا ليس مجرد تقارب بسيط، لكي نتمكن من دخول الاشتراكية، فإن النشاط والفكر الحر في علم الاجتماع هما الطريق الأنسب، يجب أن تُفهم المادية التاريخية والاشتراكية عبر ثنائية الدولة والكومون.

 أرى هذا التقارب هو الأقرب إلى الحقيقة، أي أن التاريخ لا يتشكل على أساس الصراع الطبقي؛ بل الصراع والتناقض بين الدولة والكومون هما ما يُشكل التاريخ، بناءً على هذا، انهارت الاشتراكية المطبقة، ولا حاجة للنقد هنا، لكن السبب الأساسي لانهيار الاشتراكية المطبقة هو هذا. إذًا، ما معنى ثنائية الدولة والكومون هنا؟ إنها ملاحظة قيّمة جدًا. ربما تُفهم من وجهة نظر معينة، لكنها لم تُنظَّم بعد بشكل منهجي.

 في الأصل، المجتمع كان مجتمعًا كومونيًا. في الأعلى فسّرتُ مفهوم العشيرة. هذا هو المجتمع، والمجتمع هو الكومون، العشيرة هي الكومون البدائي، والآن دعونا نتوقف عند كلمة “كومون”؛ ولهذا السبب يجب أن نتحدث عن المجتمع، وعلينا أن نعود بقدر ما نستطيع إلى منطقة ميزوبوتاميا ونقف عند تطور الثقافة، وتشكُّل مجتمع سومر؛ أي علينا أن نواجه الدولة، والمدينة، والملكية، والطبقات.

 يجب أن نبدأ من نقطة الدولة والكومون. إذًا، أين هو المجتمع؟ المجتمع هو أساس كل هذا، لأن قبل 4000 سنة قبل الميلاد كانت هناك بنية اجتماعية عشائرية، ويمكننا تسميتها قبيلة أو عشيرة، والعشيرة أيضًا تتكوّن من وحدة مجتمعية، القبيلة هي مجتمع، أما العائلة فهي ليست أساسًا في البداية، في الأصل، لا يوجد فرق بين معنى العائلة والقبيلة، معناهما واحد.

لا القبيلة، ولا العائلة، كانتا منفصلتين في الأصل، مع تقدّم العصر النيوليتي حدث تطور مهم، نشوء القبيلة مرتبط أكثر بالعصر النيوليتي، قبل النيوليتي لم تكن هناك قبيلة، بل كان هناك “الكلان”.

 في الكردية توجد كلمة “كوم”. وبهذا الشكل يمكننا أن نفهم كلمة “كومون” بشكل أفضل، أي “كومون” تأتي من “كوم” و”التجمّع”. وما زلنا نستخدم هذه الكلمة، وهذا يُظهر أن اللغة الآرية ظهرت في هذه المنطقة، على الأقل تاريخها يمتد إلى عشرة آلاف سنة.

 ولهذا يتضح أن اللغة الآرية تطورت حول هذا المجتمع. في الكردية، كلمة “كوم” تدل على هذه الحقيقة، تكوين وتوسيع الكلمات أيضًا يدل على هذه الحقيقة، “كوماغانا” كاسم دولة هو مثال على ذلك.

 هنا نرى أن زعيم القبيلة يتقدّم لتأسيس الدولة،أعضاء القبيلة أيضًا يسبقون المجتمع، في الأصل، الحقيقة هي كذلك، الأمر بسيط، أنا لم أقم باكتشاف عظيم، ماركس يقول عن هذا النوع من الأمور إنها اكتشافات علمية، ولكنها في الحقيقة مجرد سرديات، ليس هناك تطور صناعي خاص مثل طبقة العمال.