خالد آرميش
تشهد المواجهة بين إسرائيل وإيران تصعيداً خطيراً بعد الهجوم الإسرائيلي على الأراضي الإيرانية في 13 يونيو، مما يفتح الباب أمام سيناريوهات متشعبة قد تغير خريطة المنطقة.
إلى ماذا تشير هذه التطورات؟ ما هو احتمال مشاركة قوى أخرى في الحرب؟ في مثل هذا الوضع، كم سيكون حجم الحرب ودمارها؟
والأهم من ذلك، هل يمكن أن يتحول الصراع الإسرائيلي الإيراني إلى حرب نووية بين الدول؟
تشير المؤشرات الميدانية إلى تصاعد تدريجي في وتيرة النزاع، مع دخول قوى إقليمية ودولية بشكل متزايد على خط المواجهة. وعلى الرغم من الخسائر القيادية التي تعرضت لها، أظهرت إيران سرعة في الرد، ما يعكس استعدادًا واضحًا لخوض حرب شاملة إذا اقتضى الأمر.
في المقابل، تُكثّف إسرائيل من ضرباتها العسكرية بوتيرة متسارعة، فيما يبدو أنه مسعى لحسم المعركة قبل أن تنزلق إلى مواجهة إقليمية مفتوحة.
في حال واصلت إسرائيل استهداف المنشآت النووية الإيرانية بشكل مباشر، ورفعت من سقف تهديداتها، فإن احتمالية التصعيد النووي – حتى ولو على مستوى التهديد والردع – تصبح أكثر واقعية.
وتُثير تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مخاوف إضافية، حيث لا تقتصر أهدافه على منع إيران من امتلاك السلاح النووي، بل تمتد إلى محاولة تغيير النظام الحاكم في طهران، مما ينذر بانزلاق المنطقة نحو مستويات غير مسبوقة من التصعيد.
هل ستمتد الحرب في المنطقة؟
من المرجح أن تمتد رقعة الحرب في المنطقة بشكل كبير. فمشاركة وكلاء إيران، مثل الحوثيين وحزب الله، تؤكد أن النزاع لم يعد مقتصرًا على إسرائيل وإيران فقط. ومع تصاعد الضغوط على طهران، قد تسعى إيران إلى توسيع دائرة المواجهة لتشمل مناطق استراتيجية مثل الخليج العربي، البحر الأحمر، وربما حتى العراق.
دور الحوثيين
الحوثيون في اليمن قد يدخلون مرحلة جديدة من الهجمات، خصوصاً ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن. منذ 2019، تصاعدت التوترات بين إيران والسعودية والإمارات، والهجمات البحرية كانت إحدى أدوات إيران في الضغط الإقليمي.
هل يمكن أن تتدخل السعودية والإمارات؟
رغم أن السعودية والإمارات أقامتا علاقات مع إسرائيل (اتفاقيات أبراهام)، إلا أن أي تصعيد يطال أمنهما – خاصة من الحوثيين قد يدفعهما للتدخل. بشكل مباشر أو غير مباشر، أي استهداف لمصالحهما قد يدفعهما للتحرك، وقد يعيد الخليج إلى أجواء التوتر والانقسام.
هل ستتدخل الولايات المتحدة؟
نعم، من شبه المؤكد أن الولايات المتحدة تعتبر الداعم الأساسي لإسرائيل. وإذا واجهت إسرائيل تهديداً وجودياً أو تكبدت خسائر فادحة، فمن المرجح أن تتدخل واشنطن عسكرياً لحمايتها.
أما في حال تعرض السعودية أو الإمارات لهجوم مباشر، فقد يشكل ذلك مبرراً قوياً لتوسيع نطاق التدخل الأمريكي في المنطقة، مع احتمال أن تكون جماعة الحوثي من أوائل الأهداف.
هل ستشارك بريطانيا؟
بريطانيا أرسلت طائرات حربية إلى المنطقة، مما يشير إلى استعداد للمشاركة في حال توسعت الحرب. تصريحات رئيس الوزراء البريطاني الجديد كير ستارمر بأن “لبريطانيا تحفظات طويلة على البرنامج النووي الإيراني” تؤكد نية لندن في اتخاذ دور مباشر، وليس فقط دعم سياسي.
تدخل بريطانيا قد يعيدها إلى دورها التاريخي في الشرق الأوسط، خصوصاً أنها تسعى للعودة كلاعب فعّال بعد سنوات من الانسحاب.
هل سيكون هناك رد فعل من روسيا والصين؟
أي تدخل مباشر من أمريكا وبريطانيا سيؤدي إلى توترات شديدة مع روسيا والصين، اللتين تحتفظان بعلاقات قوية مع إيران.
في هذا السيناريو، سيتحول الصراع إلى مواجهة غير مباشرة بين المعسكر الغربي ومعسكر خصومه، وربما يتجاوز الشرق الأوسط.
العراق: الضحية المحتملة
العراق أعلن رغبته في البقاء محايداً، بل وطلب من الأمم المتحدة منع استخدام مجاله الجوي في الهجمات ضد إيران.
لكن العراق منقسم: من جهة يقبع تحت النفوذ الإيراني (خاصة عبر الحشد الشعبي)، ومن جهة أخرى تحت ضغط أمريكي.
لذلك، إذا تصاعد الصراع، فإن العراق قد يجد نفسه مجبراً على اتخاذ موقف أو قد يستخدم كأرض صراع، خصوصاً إذا نفذ الحشد الشعبي هجمات ضد القواعد الأمريكية. في هذه الحالة، قد تُجر البلاد إلى صراع واسع لا تريده.
النتيجة:
الحرب بين إيران وإسرائيل يمكن أن تتوسع إلى حرب إقليمية، وحتى دولية. دخول أطراف مثل أمريكا وبريطانيا وتهديد مصالح السعودية والإمارات يزيد من احتمالات المواجهة المباشرة.
العراق واليمن سيكونان من الساحات الساخنة. الاحتمال النووي وإن كان ضعيفاً في البداية، إلا أنه قد يصبح حقيقياً إذا استمرت إسرائيل في ضرب البرنامج النووي الإيراني.
كل ذلك ينذر بأن الشرق الأوسط يدخل مرحلة أكثر خطورة مما كان عليه منذ 2011.
كيف ستتأثر تركيا بالحرب؟
أحد البلدان التي من المؤكد أنها ستتأثر بالحرب هو تركيا. منذ اليوم الأول للحرب، أعلنت إدانتها للهجوم الإسرائيلي. تركيا، وهي من الدول التي ستتأثر بالحرب إلى حد بعيد، تشعر بالقلق. فمنذ عام 2011، تتنافس تركيا مع إيران على الهيمنة في المنطقة. انخراطها في الحرب السورية كان على هذا الأساس، حيث شاركت إلى جانب إيران من خلال وكلاء مثل الميليشيات، لخدمة مصالحها الخاصة.
لكن النهج المستقل الذي اتبعه الكرد، وانهيار التنظيمات السلفية المتطرفة مثل داعش، وكذلك انهيار نظام الأسد، أفسدت حساباتها. كما أن تقوية موقع إسرائيل في سوريا من خلال طريق هيئة تحرير الشام (HTŞ) شكّل عقبة أمام نفوذها هناك.
الحسابات الاقتصادية والتجارية لم تتطابق أيضًا. تركيا التي تبني علاقاتها مع إيران على أساس جدلية التناقض والتعاون، بدأت ترى في الضربات الإسرائيلية على غزة وحزب الله داخل سوريا تهديداً لمصالحها.
من ناحية أخرى، استمرار العلاقات في ظل التوتر مع إيران، والتي تعتبر ضمن المحور المناهض لإسرائيل ومن القوى الدولية المحيطة، أصبح أكثر توافقًا مع مصالح تركيا. السبب الرئيسي لهذا التقارب هو السياسة المشتركة لعداوة للكرد، سواء في الماضي أو في الحاضر.
احتمال أن تصبح إسرائيل قوة مهيمنة في المنطقة، وخاصة من خلال إضعاف إيران، قد يربك كل حسابات تركيا. ربما تجد تركيا نفسها، كما هو الحال في العراق، مضطرة لاختيار أحد الطرفين. ولكن هذا لا يعني أنها لن تتأثر بالحرب. ففي وقت تعاد فيه صياغة النظام في عموم المنطقة، لا يمكن لتركيا أن تبقى كما هي.
تصريح دولت بخجلي
في هذا السياق كان تصريح دولت بخحلي لافتًا، في وقت كان الجميع يتحدث عن أن قبرص قد تصبح جزءاً من هذه الحرب. والحديث عن سيطرة إسرائيل والقوى العالمية على الطريق التجاري في البحر الأبيض المتوسط. والسبب الرئيسي وراء حرب غزة هو وصول الهند بأوروبا، وبالتالي تدمير غزة. لذلك، من غير الممكن أن تبقى قبرص على حالها.
التطورات الجديدة ستجبر الجميع على إعادة بناء علاقاتهم الإقليمية والدولية من جديد. ما سيكون موقف تركيا في هذه الحالة؟ هذا هو السؤال الجوهري.
سواء دعمت تركيا أحد الأطراف أو لم تفعل، من المؤكد أنها ستحاول الحفاظ على سياستها المناهضة للكرد في سوريا وشرق كردستان. من خلال هذه السياسة التي تطبقها في غرب كردستان، قد تجرب سياسات مختلفة لإبراز الكرد كـ “قوة” في مخطط إعادة تشكيل إيران.
وبنفس الطريقة، تركيا كانت تحضر التركمان في العراق عسكرياً على حساب احتمال اتساع الحرب لتشمل هذه المناطق. وإذا دخلت العراق في هذه الحرب، من الممكن أن تحاول تركيا مواجهة الكرد بالتركمان. كما قد تسحب بعض السنة العرب إلى جانبها وتستخدمهم كقوة ضد الشيعة، وتبني خططًا لزيادة تأثيرها في المنطقة.
احتمال تكرار المشهد السوري
لكن الحسابات التركية لم تنجح في سوريا. كل خططها التي كانت تعتمد على آلاف المرتزقة للسيطرة على المناطق السورية، وخاصة ضد الكرد، باءت بالفشل. لذا، يجب أن تتجه السياسة التركية الآن نحو مسار حقيقي قريب من نهج القائد عبد الله أوجلان وتعمل على حل القضية الكردية على أساس ديمقراطي.
يجب أن تتبع مساراً استراتيجياً، لا تكتيكيًا فقط؛ عليها أن تضع جانبًا عداءها للكرد، وأن تدرك أن الطريق الصحيح في إعادة تشكيل الشرق الأوسط هو ذلك الطريق. وإلا، فإن المصير الذي رأته في سوريا، سيتكرر في إقليم كردستان وشرق كردستان
الكرد في منعطف حرج
رغم أن الحرب الإقليمية الحالية تؤثر على العديد من الشعوب، إلا أنها ليست حرب الكرد تحديداً. ومع ذلك، لا يعني هذا أنهم بمنأى عن تبعاتها. وكما تمكن الكرد سابقًا من تنظيم أنفسهم كقوة محورية في سوريا، بالتعاون مع مكونات أخرى، قد تتكرر هذه التجربة في حال اندلاع مواجهة شاملة بين إيران وإسرائيل. وفي هذا السياق، يكتسب تصريح حزب الحياة الحرة الكردستاني (PJAK) أهمية خاصة.
من المؤكد أن أطرافاً عديدة في الحرب ستحاول استغلال الورقة الكردية. وعندما تبدأ الصواريخ والقنابل في السقوط، خصوصًا في المناطق التي يعيش فيها الكرد، لن يكون بالإمكان تجنب الأضرار. غير أن ما قد يخفف من وطأة هذه التبعات، بل ويشكل قاعدة للحرية والاستقرار، هو أن يتبنى الكرد نهج “الخط الثالث”، عبر تنظيم ذاتي قوي، وإجبار الأنظمة القائمة على تبني حلول ديمقراطية بعد نهاية الصراع.
الحصول على الحقوق القومية المستحقة، في ظل إعادة رسم خرائط المنطقة، لن يكون ممكنًا ما لم يؤسس الكرد وحدتهم القومية على أسس وطنية راسخة، ويحرصوا على الحفاظ عليها دون مساومة. خلاف ذلك، سيكونون إما خارج معادلات التأثير، أو مرغمين على الرضوخ لموازين القوى الإقليمية والدولية القائمة.
في الختام؛
الحرب بين إسرائيل وإيران قد تشكل نقطة تحول كبرى يصعب احتواؤها بسهولة، وقد تتجاوز حدود البلدين لتتسع إلى صراعات إقليمية وربما عالمية. استمرار هذا النزاع واتساع دائرته لن يغير فقط الخارطة السياسية للمنطقة، بل قد يخلف دماراً واسعاً، ويقود إلى كوارث إنسانية تشمل الانهيار الاقتصادي، موجات النزوح، الموت، الجوع، والبطالة.
السيناريو الأسوأ قد يشبه ما شهدناه في حروب العراق وسوريا. وللتنبؤ بما إذا كان هذا المصير سيتكرر، لا يكفي أن نتابع التصريحات الرسمية، بل من الضروري تحليل المصالح العميقة للدول، وفهم طبيعة النظام وبنية السلطة؛ فذلك هو السبيل الأكثر دقة لتقدير اتجاهات الأحداث.