الإيزيديون: دعاة السلام في وجه الصراعات

خديدة بركات

في عالمٍ باتت الحروب فيه تندلع لأبسط الأسباب، وتُزهق الأرواح بلا ذنبٍ أو جرم، يجد الإنسان المحب للسلام نفسه مطالبًا برفع صوته عاليًا في وجه العنف والدمار. ونحن، أبناء الشعب الإيزيدي، وقد تجرّعنا مرارة الفقد، وقاسينا ويلات الإبادة والتهجير، نعلن موقفنا الصريح والثابت من الصراعات التي تمزّق أوطان العالم اليوم. إن صوتنا اليوم ليس صوت شكوى، بل هو دعوةٌ مدوية للسلام تنبع من عمق التجربة الإنسانية للألم.

تاريخٌ من المحن وصمودٌ لا يتزعزع

لقد كان الإيزيديون – على مرّ العصور – هدفًا لحملات قمعٍ وإقصاءٍ ممنهجة، تجاوزت مجرد التمييز لتصل إلى حد الإبادة الجماعية. بلغت هذه الحملات ذروتها في السنوات الأخيرة، حيث تعرّضنا لجرائم يندى لها جبين الإنسانية: قتلٌ جماعي، سبيٌ للنساء والأطفال، تجريفٌ للهُوية الثقافية والدينية، ومحاولاتٌ بائسة لمحو وجودنا من على وجه الأرض. هذه الفظائع لم تكن مجرد أحداث عابرة، بل هي حلقات في سلسلة طويلة من الاضطهاد الذي سعى إلى طمس هوية شعب آمن بالتسامح والتعايش.

من رحم المأساة يولد صوت السلام

ومن رحم تلك المآسي التي لا تُحصى، ووسط ركام الألم الذي لا يزال حاضراً في قلوبنا، اخترنا أن نكون صوتًا للسلام لا للانتقام، وأن نقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف المتصارعة. نحن لا نؤيّد جهة ضد أخرى، ولا ندخل في دوامة التحالفات التي لا تُنتج سوى المزيد من الدماء والدمار. إن هذا الموقف ليس ضعفاً، بل هو قوةٌ نابعة من إدراك عميق بأن العنف لا يولد إلا مزيداً من العنف، وأن طريق الخلاص الحقيقي يكمن في تجاوز دائرة الكراهية.

نحن لا نحمل في قلوبنا سوى الإيمان الراسخ بالتسامح، والتمسّك بالعدالة كقيمة عليا، والدعوة إلى الحوار البناء كوسيلة وحيدة وفعالة لحلّ النزاعات. لا نطلب أكثر من حقنا الطبيعي في الحياة الكريمة، وحقّ غيرنا فيها أيضًا، دون تمييزٍ أو إقصاءٍ أو اضطهاد. هذا الحق ليس امتيازاً، بل هو أساس لكل مجتمع يسعى إلى الاستقرار والازدهار.

نداءٌ إلى الضمير العالمي

إننا نهيب بالمجتمع الدولي، وبكل الجهات الفاعلة في الشأن الإنساني وحقوق الإنسان، أن تُنصت إلى صوت الضحايا المتألم، لا إلى ضجيج السلاح وصخب الأجندات السياسية الضيقة. ندعوهم إلى أن تُعلي من شأن السلام فوق كل اعتبار سياسي أو اقتصادي أو مصلحي. يجب أن تكون الأولوية القصوى لحماية الأرواح وصون كرامة الإنسان، بغض النظر عن انتمائه الديني أو العرقي.

لقد علّمتنا المآسي والآلام التي عشناها دروساً لا تُنسى: أن العدالة الحقيقية لا تُبنى بالانتقام وتشفي الغليل، وأن المجتمعات لا تُنهضها البنادق والقوة الغاشمة، بل تُحييها الكلمة الصادقة التي تدعو إلى التفاهم، والإرادة النبيلة التي تسعى للخير العام، والضمير الحي الذي يأبى الظلم والعدوان.

الإيزيديون: حملة راية السلام إلى الأبد

وفي الختام، نُجدد تأكيدنا القاطع بأن الشعب الإيزيدي سيبقى، رغم كل الجراح الغائرة والتحديات الجسيمة، حاملًا لراية السلام عالياً. سنظل رافضين لكل أشكال العنف والتطرف، ومؤمنين إيماناً لا يتزعزع بأن مستقبل الإنسانية لا يُكتب بالحرب والدمار، بل يُصنع بالتسامح المتجذر في القلوب، والمحبة التي تتجاوز كل الحدود، والتعاون الذي يبني جسور الفهم المشترك.

نأمل أن يكون صوتنا هذا صدىً لأصوات كل محبي السلام حول العالم.