تمكين المرأة في سوريا “بين التهميش وضرورة التغيير”

يارا محمد

في أي مجتمع، يمكن قياس تقدمه من خلال مكانة المرأة فيه، فهي التي تشكل نصف المجتمع وتساهم في تربية وتعليم النصف الآخر. بمعنى آخر، المرأة تمثل المجتمع ككل. ومع ذلك، فإن هذا النموذج المثالي الذي يسمح للمرأة بالتصرف بحريتها وفق قناعاتها وجوهرها كان غائبًا عن المشهد السوري، رغم تاريخ سوريا العريق وحضارتها الممتدة لآلاف السنين.

التهميش واستبعاد المرأة

لقد كانت المرأة في سوريا تُهمَّش وتُستَبعد بشكل ممنهج. منذ الصغر، كانت تُربي لتكون مجرد “ربة منزل”، وهو الدور الذي فرضه عليها المجتمع. يتجلى هذا الفكر في النظام التعليمي الذي كان يُخصص مادة التدبير المنزلي للفتيات فقط، مما يعكس السياسة السائدة في البلاد. هذا التوجه ليس محض صدفة بل هو نتيجة للفكر السائد لدى الحكام الذين كانوا بدورهم تحت تأثير نظام عالمي أكبر يعتمد على كدح الشعوب، وخاصة النساء.

النظام التعليمي والنظام العسكري

النظام التعليمي في سوريا كان يعكس بوضوح الفكر الذكوري المهيمن. على سبيل المثال، نظام الفتوة (النظام العسكري) الذي كان متبعًا في مدارس حكومة دمشق، حيث كانت المعلمات تُعامَلن كجنود، مجردات من الصفات الأنثوية التي تتمتع بها أي امرأة. هذا النهج لم يكن مقتصرًا على النظام التعليمي فحسب، بل كان منتشرًا في جميع الدوائر الحكومية.

الفكر الذكوري في الدوائر الحكومية

في الدوائر الحكومية السورية، كان يُنظر إلى المرأة على أنها غير قادرة على تدبير شؤون مجتمعها. هذا التصور الخاطئ كان نتاجًا لعقود من الفكر الذكوري المهيمن الذي قوض إمكانيات المرأة وأبعدها عن مراكز القرار. هذا النهج تجاهل الأدلة الكثيرة التي تثبت قدرة النساء على القيادة والإدارة بفعالية وكفاءة.

النظام الأمومي كبديل

على العكس من ذلك، يبرز النظام الأمومي كنموذج يُحتذى به حيث تُثبت النساء قدراتهن في قيادة المجتمع وتدبير شؤونه. في مثل هذه المجتمعات، تتمتع النساء بحرية أكبر وهنّ مشاركات فعالات في صنع القرار. هذا النموذج يعكس الإمكانيات الحقيقية للمرأة عندما تُمنح الفرصة وتُزال عنها القيود المجتمعية.

فكر القائد أوجلان وحلول لمكانة المرأة

القائد عبد الله أوجلان، قدم فكرًا مختلفًا حول دور المرأة في المجتمع. أوجلان يرى أن تحرير المرأة هو المفتاح لتحرير المجتمع بأكمله. يؤمن بأن النساء يجب أن يُمنحن حقوقهن الكاملة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. وحسب فكره، لا يمكن تحقيق مجتمع عادل وديمقراطي دون تحرير المرأة من القيود المجتمعية التي تُفرض عليها.

الحلول الممكنة

التعليم والمساواة: توفير فرص تعليمية متساوية للفتيات والفتيان، مع التركيز على تنمية مهارات القيادة والتفكير النقدي لدى النساء.

القوانين الداعمة: سن قوانين تحمي حقوق المرأة وتضمن مساواتها في جميع المجالات، بما في ذلك العمل والسياسة.

التوعية والتثقيف: إطلاق حملات توعية لتعزيز أهمية دور المرأة في المجتمع وتغيير النظرة التقليدية السلبية تجاهها.

دعم المرأة في العمل: تشجيع السياسات التي تدعم المرأة في سوق العمل، مثل إجازة الأمومة المدفوعة، وتوفير بيئات عمل صديقة للمرأة.

التمثيل السياسي: ضمان تمثيل النساء في مواقع صنع القرار، سواء في الحكومة أو المؤسسات الخاصة، لتمكينهن من التأثير في السياسات التي تؤثر على حياتهن.

إن تهميش المرأة واستبعادها من مراكز القرار لا يؤدي إلا إلى إضعاف المجتمع ككل. ينبغي على المجتمع السوري أن يعيد النظر في السياسات التي تُقصي المرأة وأن يتبنى نماذج تعترف بقدراتها وإمكاناتها. فرفعة المجتمع تبدأ برفعة المرأة، ومنحها الحرية والفرصة لتُساهم بشكل فعّال في بناء مجتمعها. فقط عندها يمكن لسوريا أن تحقق التقدم الذي تستحقه، معترفة بتاريخها العريق وحضارتها التي طالما كانت مثالًا للتميز والإبداع.