اكاديمي عراقي : المقاتلون الكرد في سوريا اربكوا مخططات اقليمية وقلبوا معادلاتها

الاكاديمي العراقي جواد البيضاني في مقال له بعنوان “ما بعد عفرين … قراءة في الاستراتيجية التركية” ،اوضح التـأثير الكبير الذي احدثه المقاتلون الكرد في الشرق الاوسط، مشيراً الى انهم اربكوا المخططات الاقليمة و قلبوا المعادلات السياسية، فيما تسائل لو ان العراق بنفس قوته السابقة وان سوريا كسابق عهدها هل يجرؤ الاتراك على هذا الفعل؟ لماذا لم يتدخل الاتراك في المناطق الايرانية التي فيها جيوب للمعاراضة الكردية؟


روج نيوز- مركز الاخبار

الدكتور جواد كاظم البيضاني مدير المعهد العراقي للدراسات الكُردية سرد في مقال تسلمت وكالة روج نيوز نسخه منه، ما يلي:

في ظل تباين تصريحات المسؤولين الاتراك وتضارب وجهات نظرهم في المرحلة ما بعد عفرين تبدو الرؤية التركية غير واضحة ، فوزير خارجيتهم ما نفك يجاهر بان لتركيا الحق في تأمين حدودها داخل العمق السوري والعراقي، ويبدو ان هذه التصريحات اخذت طابعاً مغايراً بعد 8 مارس/ اذار 2018م حيث اعلن الاتراك انهم بصدد الدخول الى سنجار(شنكال)، فما هو الهدف من هذه الزوبعة ؟ هل صحيح ان المقاتلين الاكًراد بشكلون تهديد على الامن القومي التركي؟ ام ان هناك خلل احدثه هؤلاء المقاتلين في ميزان الاستراتيجية التركية في المنطقة؟

مما لا شك فيه هو ان المقاتلين الاكراد وحلفاؤهم كان لهم الفضل في ايقاف تمدد داعش ، وتحجيم دورها في المنطقة ، ويبدو ان العمليات التي كانوا يقومون بها احدثت خلل في الاستراتيجية دفع القوى الدولية والاقليمية الفاعلة على الساحة السورية الى التعامل معهم ، فالانتصارات التي حققوها ، وقدراتهم المتنامية ، وقضمهم السريع للارض ، وقدرتهم الكبيرة على المناورة ، فضلاً عن اجادتهم الكبيرة لفنون الحرب الحديثه كل هذه العوامل جعلتهم رقماً صعباً في المعادلة السورية لا يمكن التغاض عنه ، وبالتالي فرض هؤلاء المقاتلون واقعاً جديداً اربك مخططات الدول الاقليمية وقلب معادلاتها .

ولعل هذا الامر كان محفز لتركيا بالقول ان تنامي قدرات قوات سوريا الديمقراطية يمثل تهديد على امنها القومي لانهم يسعون الى بناء دولة كردية او على الاقل اقليم على غرار اقليم كردستان العراق ، وهذا الاقليم وفقاً لتركيا يتخطى المناطق الكردية وانه يمتد الى مناطق عربية وتركمانية. فهل صحيح ان للكرد مشروعهم في سوريا ؟ ام ان ما يقال بهذا الصدد هو مجرد ادعائات ؟ واذا كانت قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على ربع مساحة الاراضي السورية تشكل تهديد على الامن القومي التركي، فهل شكل اقليم كردستان تهديداً مماثلاً على الاراضي التركية؟ وهل تتعامل تركيا مع اقليم كردستان العراق على المدى البعيد على الاقل بنفس تعاملها مع قوات سوريا الديمقراطية؟ ام ان تركيا تخطط الى تواجد دائم في عفرين؟ ما هو رد قوات سوريا الديمقراطية على هذا التواجد؟

ان سيطرة القوات التركية والمليشيات التابعة لها على عفرين ادخل الصراع مرحلة خطرة جداً، فقوات سوريا الديمقراطية ربما تتبنى استراتيجية مغايرة لحروب المواجهة بسبب التبايبن الكبير في قدراتهم العسكرية مع الجيش التركي، وربما يعتمدون اسلوب حرب (الكر والفر) وهذا النمط من القتال يشل الجانب التركي الذين لا يعرفون تضاريس المنطقة، فضلا عن تقاطعهم القومي والعرقي مع السكان المحليون فيدفع الامر الى عدم التمييز بين الحليف والخصم فيوقعوا كل من يقف امامهم تحت نيران سلاحهم ، وهذا هو الهدف من هكذا نمط في الحرب لانه يشتت قدرات العدو ويضعف من فعاليته .

لقد صمدت قوات سوريا الديمقراطية (58) يوماً امام ثاني قوة عسكرية لحلف شمال الاطلسي، واستطاعت ارباك خطوط الجيش التركي، فضلاً عن تامينها انسحاب سهل للسكان الاكراد من هذه المدينة ، هذا الاسلوب في الحرب لم يات من فراغ ، فهؤلاء المقاتلين اكتسبوا قدرات عسكرية كبيرة مكنتهم من تعزيز قدراتهم على المناورة في ساحات المعركة والصمود في ميدانها لانهم مسلحين عقائدياً ومعنوياً وهم اكثر انضباط في المعركة من المليشيات الموالية لتركيا ، والعل هذا الامر كان سبباً في انسحابهم امام عُجهية تركيا وتغطرسها .

ويبدو ان الاتراك بسبب سياساتهم ومواقفهم المتشنجة تعرضوا الى نقد كبير من دول العالم، وكانوا يجاهرون بعدائهم الصريح للاكراد ولم يلتزموا بالقرارات الدولية واخرها موقفهم الرافض لقرار مجلس الامن الدولي رقم ( 2401) الذي صدر يوم السبت الموافق 24 فبراير / شبط 2018 والذي نص على وقف الاعمال القتالية على كافة الارضي السورية بما فيها مدينة عفرين “، ولعل هذه السياسة هي التي دفعت مستشارة المانية الى انتقاد هذه التصرفات وتحذيرها تركيا من السير والانجرار بهذا المنحى الخطير، ميركل لم تكن الاولى التي انتقدة ولعلها لم تكن الاخيرة ، فالرئيس الفرنسي كان واضح في نقده لسياسات اوردغان. فماذا تهدف تركيا من وراء هذه السياسات ؟ وهل صحيح ان مشروعها في المنطقة يستهدف التمدد من حلب حتى كركوك؟ لماذا تحجم روسيا عن انتقاد الموقف التركي في سوريا ؟ هل صحيح ان الاتراك ينفذون مشروعهم بالتوافق مع الروس؟

الحقيقة ان تركيا لم تفصح عن مشروعها في المنطقة، ولكن تمددهها باتجاه سنجار ومدينة منبج دفعنا للقول ان هناك توافق واتفاق بين الروس والاتراك يخفي خارطة جديدة للشرق الاوسط، تتقاسم فيها تركيا النفوذ مع حليفها (المخادع) وعدوها التقليدي. فهل ينجح الاترك في تطبيق مشروعهم ؟

تحدث جميل بايق بصورة واضحة محذراً من تداعيات خطيرة تتعرض لها المنطقة بسبب المشروع التركي منوه الى ان (حزب العمال الكردستاني ) سينقل المعركة الى تركيا، وان اي عسكري تركي يكون هدف لقوات حزبه فيما لو تصرف ارودغان بهذه السياسة. هناك من يقول ان الروس يرمون بتركيا الى مستنقع لا يمكن لها الخروج منه. فهل فهم الاتراك العبر؟

يقول الاتراك وعبر ما تحدث به مسؤليهم بان تركيا تستهدف حماية امنها القومي، وان مشروعها هو الوقوف بوجه تطلعات حزب العمال الكردستاني ، بيد ان السؤال الذي يطرح نفسه: لو ان العراق بنفس قوته السابقة وان سوريا كسابق عهدها هل يجرؤ الاتراك على هذا الفعل؟ لماذا لم يتدخل الاتراك في المناطق الايرانية التي فيها جيوب للمعاراضة الكردية؟

الاتراك لم يتعضوا بما يقوله القادة الاكراد واخرهم (مراد قريلان) والذي قال بصراحة ان خطوط الامداد التركية مستهدفة ؟

واذا عدنا الى اللاستراتيجية التركية في العراق فالعراق عام 2014 يختلف عن العراق في عام 2018 ، وعلى الرغم من هذا التغير في الميزان الاستراتيجي، بيد ان تركيا لم تقدر ذلك حيث جاهر اوردغان علناً وامام حزبه بان تركيا ستدخل اراضي عراقية جديدة، وزير خارجيتة افصح عن هذه الارض والتي هي شنكال (سنجار) . اقول ان هناك خلل كبير في المفهوم التركي للاستراتيجيان وان الاتراك يعرفون جيداً المعادلة هدفهم واضح لم يخفوه ولكن وفقاً للاستراتيجية تتغير سياساتها . فهل يحقق الاتراك استراتيجيتهم وفق المنظور ؟ اما ان هناك تغير في السياسات دفعهم الى تبني استراتيجية جديدة؟ قادم الايام تبين لنا حجم الخطأ الذي وقع فيه الاتراك لانهم تبنوا الدعم الروسي لمشروعهم دون ان ينتبهوا الى عشق الشعوب الى الحرية التي ستقف في طريقهم ويعودوا من حيث جاءوا.”

*ه- ز*