“أخوة الشعوب صمام أمان الشرق الاوسط”

مركز الأخبار

كتب الكاتب والصحافي اللبناني فادي عاكوم مقالة خاصة لوكالة ROJNEWS حول التغييرات السياسية والاجتماعية التي طرأت على المنطقة خلال العقود الأخيرة، والتداعيات التي جلبتها هذه التغييرات. كما تعرج إلى مبدأ أخوة الشعوب والتعايش المشترك ودوره في إعادة ضبط الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

إليكم نص المقالة:

أخوة الشعوب صمام أمان الشرق الاوسط

فادي عاكوم

(كاتب وصحافي لبناني)

كانت منطقة الشرق الاوسط ولم تزال محط انظار الدول الكبرى وحتى الدول التي لها تطلعات خارجية وقدراتها تعتبر متواضعة مع كبريات الدول، وقد ينبري البعض للقول بان ما تمر به المنطقة حاليا هو نتيجة لظهور المنظمات المتطرفة كتنظيم الدولة الاسلامية والقاعدة والنصرة والاخوان وغيرها، الا انه عند هذه النقطة بالتحديد ينبغي العودة الى الوراء قليلا مع نجاح اية الله الخميني بثورته ضد شاه ايران وسيطرته مع باقي رجال الدين وضباط الحرس الثوري على الحكم وبدء مرحلة تصدير الثورة من مفهوم ديني طائفي متمثل بولاية الفقيه ونشر فكرها في بلدان الشرق الاوسط، فبدات الخطوات الاولى بالتغيير الديموغرافي السياسي في المنطقة خصوصا بعد انحسار مد القضية الفلسطينية بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982، وتوالى تغيير المشهد مع دخول الرئيس العراقي صدام حسين الى الكويت عام 1991 وما سبقه من مجازر بحق الكرد في اكثر من منطقة عراقية وصولا الى الغزو الاميركي للعراق في العام 2003.

ومنذ ذلك الوقت نستطيع القول بان الشرق الاوسط القديم تغير وتبدل ليحل مكانه الشرق الاوسط الجديد، مع ظهور التيارات السلفية والتكفيرية الاسلامية والتي حظيت بدعم من بعض الدول العربية كاداة للسيطرة والتوسع الفكري والسياسي، الا ان السحر انقلب على الساحر وباتت جميع هذه التنظيمات خارج السيطرة الفعلية وتحولت الى اداة دولية يتم التلاعب بها وفقا لمقتضيات السياسة وانحرفاتها، وليس بسر بان كل الدول الكبرى دون استثناء لها حساباتها التي ادت الى الاوضاع الحالية المتشابكة في الشرق خصوصا الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والصين والدول الاوروبية طبعا ايران وتركيا التين عرقلتا المشاريع الكبرى في سبيل تحقيق مشاريعهما الخاصة، وقد تقاطعت المشاريع الدولية الكبرى مع المشاريع الايرانية والتركية في بعض الاحيان مما زاد الامور تعقيدا وخروجها عن السيطرة في كثير من الاحيان، خاصة وان مشاريعهما قائمة على حسابات توسعية طائفية صرفة، الى ان تم الالتحام بيتهما ان جاز التعابير لاقتسام المنطقة بين سنة وشيعة على حساب مشاريع دول المنطقة الاخرى بل على حساب هذه الدول نفسها.

ومع انتشار ما سمي بالربيع العربي انهار النظام السياسي العربي لتحل مكانه الفوضى التي انتشرت بجهود جماعة الاخوان المسلمين التي تعتبر الراعي الاساسي لجميع التنظيمات الراديكالية الاخرى، فانتشرت فروع هذه الجماعة التركية الاصل في المنطقة لتحرض ضد الاخر، واللافت هجومها الدائم من خلال ادواتها المختلفة الاعلامية والسياسية على الادارة الذاتية من خلال التخوين والاتهام بالعنصرية، وغاب عن الاتراك والمستتركين ما تقوم به تركيا ضد الاتراك نفسهم وباقي القوميات في تركيا من قمع واستغلال يصل الى حد الاستعباد.

لكن ما الحل، وهو تساؤل يطرح الاف المرات يوميا لانقاذ ما يمكن انقاذه في منطقة الشرق الاوسط، الجواب الذي يتبادر الى الذهن مباشرة هو اعادة تطبيق التجربة الاوجلانية في روج افا وشمال سوريا على عموم المنطقة، لكن قبل الغوص بهذه التجربة لا بد من الرجوع زمنيا الى الافكار التي نادى بها وحاول تطبيقها واستشهد من اجلها الزعيم اللبناني كمال جنبلاط، والذي يتصادف بانه من اصول كردية هو الاخر، وكأن مصير الشرق الاوسط منذ زمن معلق بالافكار الكردية، فافكار جنبلاط حول الاخوة والتعاون بين جميع البشر والمكونات الدينية والعرقية على اساس المساواة والحرية متشابهة بل ربما تتطابق مع افكار الزعيم أوجلان، ولذا ليس من المستغرب ان يتم اغتيال الاول واعتقال الثاني ليس لاسكاتهم بل لوقف المشروع الذي كان سيحمي المنطقة من حمام الدم، بل ايضا كان السبيل ليكون منارة تقدمية تضيئ الطريق نحو العلم والمعرفة والحداثة التي سبقنا اليها الغرب بملايين السنوات الضوئية، فهم يفكرون باستعمار الفضاء والاستغلال التكنولوجي الى اقصى حدود، بينما بقينا نتجادل ونتحارب بين القوميات التي ننتمي اليها بل حتى الى اي عشيرة او قبيلة ننتمي.

فالتجربة الاوجلانية في سوريا نجحت كل النجاح ولا عزاء لمن اتهم الكرد بالعنصرية والعمل على تهجير العرب وتغيير الواقع الديموغرافي في منطقة روج افا بالشمال السوري، فها هي انتخابات الكومينات تؤكد الاتجاه الصحيح الذي يسلكه أهالي تلك المنطقة، من خلال اختيار المجموعات والأشخاص الذين سيسيرون أمورهم ويراقبون أحوالهم المعيشية والتنموية والأمنية، وذلك بعد موجة كبيرة من الأكاذيب التي طالت الانتخابات هذه نفسها والتي وصلت إلى حد وصفها بانتخابات بعض الأنظمة العربية التي تنتهي بنتيجة نعم بنسبة 99.99%.

والكومينات لمن لا يعرفها هي عبارة عن لجان مهمتها إدارة المنطقة الإدارية المحددة لها، وذلك لمختلف النواحي، الاقتصادية والتنموية والأمنية والتربوية، بمعنى أن أهل كل ناحية سيديرون منطقتهم بأنفسهم، لتتشكل لجنة عليا من الكومينات للتنسيق فيما بينها، مرتبطة بإدارة عليا لاقتسام الثروات وتأمين الاحتياجات الخاصة والعاجلة، وحسب التوزيع الديموغرافي في سوريا وفي منطقة الشمال تحديدا، فإن هذه اللجان ستكون متنوعة الأعراق والطوائف، فالتداخل كبير جدا في العديد من النواحي والبلدات والقرى والمدن، بحيث يجعل من المستحيل تكوين كومين واحد من لون عرقي أو طائفي واحد، حتى إن التقسيم الإداري للجان راعى هذا الأمر حسب النسبة والتناسب لكل الأعراق والطوائف المسيحية والإسلامية، باختصار الجميع ممثل وصوت الجميع موجود.

ليست كومينات سوريا الأولى من نوعها في العالم، فالأمر تاريخي ويعود إلى ربما الى بدايات التكوين البشري، عندما قرر الإنسان العيش بجماعات منفصلة يدير بعض أبنائها الأمور الحياتية اليومية، وفي منطقة الشرق الأوسط ظهرت في العام 500 تقريبا في منطقة شرق كردستان وتحديدا في مدينة همدان على يد “مازدك”، ثم أتت تجربة أخرى على يد الإسماعيليين عام 1081 على يد حسن صباح، ثم مع القرامطة عام 870 إلى عام 1070، ثم في العام 1420 على يد الشيخ بدر الدين، اما في اوروبا فقد شهدت دول أوروبية عديدة تجربة الكومينات كاليونان وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وكانت آخر التجارب التجربة الروسية الاشتراكية عام 1917، بالإضافة إلى أن حركة التحرر الفكري والعمالي التي اجتاحت أوروبا في العام 1969 كانت تهدف لإقامة نظام الكومينات كحل جذري لمشاكل الشعب والحصول على الحقوق الكاملة.

وقد ينبري البعض للقول إن هذه الانتخابات فرضت من القوى الكردية المسيطرة على الأرض، ويتناسى في الوقت نفسه بأن هذه القوى الكردية نفسها قامت بتسليم المناطق التي حررتها هي من تنظيم داعش الإرهابي، إلى مجالس محلية لإدارتها، كمجلس مدينة الطبقة والرقة ومنبج، ورغم الإمكانات المحدودة لغياب الأموال اللازمة لإنعاش هذه المناطق إلا أن التجربة ناجحة جدا، وعكست روح الأخوة بين الشعوب بشكل حقيقي ومباشر، وبالمحصلة نستطيع القول إن الكومينات في روج افا ليست إلا كومينات سورية وطنية، تؤسس لمرحلة ما بعد الحرب، والتي بسبب ماسيها ودمارها والشق الاجتماعي الكبير الذي أحدثته، ستكون الكومينات الدواء الناجح لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها ولو بالحد الأدنى، مع ملاحظة أن الكومينات لا تعني الانفصال عن الدولة الأم، بل على العكس فإن هذه الطريقة من إدارة المناطق ربما تعزز روح الانتماء إلى الدولة الأم، بعد زوال أسباب النقمة الشعبية بسبب الإقصاء وسياسة الإفقار والاضطهاد الممنهج.

لكن هذه التجربة مهددة، ليس فقط من قبل العثمانيين الجدد بل من قبل العديد من دول المنطقة او حتى الدول الغربية التي لا ترغب بتعميم التجربة للحفاظ على المخططات السياسية التقسيمية الموضوعة، اذ تعتمد الخطة العثمانية الجديدة على مبدا التقسيم الطائفي والعرقي واثارة النعرات الى اقصى حدود، بهدف احداث الثغرات للدخول السهل واللين، وهو فعلا ما قامت به بين القبائل الليبية والعراق ومصر وسوريا ولبنان، الا ان مصر اصبحت خارج المعادلة التركية بسبب العقيدة الراسخة والمتينة التي يتمتع بها الجيش المصري والتي كانت سدا منيعا تجاه هذا المخطط، فالتدخل التركي هو احتلال ناعم يتحول الى احتلال حقيقي بكل معنى الكلمة، والمطلوب من من النظام السوري وباقي الدول العربية مواجهة المشروع التركي في شمال سوريا لانه وصل الى مرحلة الاحتلال الفعلي، فالامر بدأ بتدخل لحماية الحدود وتحول الى تغيير اسماء المناطق والشوارع والساحات وابدال العملة السورية بالتركية وصولا الى التعليم باللغة التركية، وافتتاح مدارس وثانويات وجامعات تركية في سوريا تمنح الشهادات التركية، وهنا السؤال المحوري، ما دمت تحارب الكرد حتى بالنسبة للتعليم باللغة الكردية فكيف سمحت لنفسك باعتبار اللغة التركية وهي لغة مستعمر اذاقك الاسى والاضطهاد والذل والمجاعة والمذابح بان تكون لغة رسمية بالنسبة لك وتعترف بها؟.